فأنشأ يضيق الخناق على المدارس حتى حظر أن يعلم فيها التاريخ وعلوم السياسة والاجتماع لأنها ترقي العقل وتلقح الأذهان وتدعو الأمة إلى سبل الرقي والأمان.
ورأت المطبوعات منه ومن أعوانه الجهلاء خصوماً يكفي في نعتهم أنهم أعداء كل فكر وارتقاء وتجديد حتى أصبح ما يطبع تحت السماء العثمانية في الثلثين الأخيرين من حكمه عبارة عن كتب خرافات وزهد وتلفيق أو أماديح كاذبة له ولأرباب المظاهر أو أموراً عادية لا ترقي عقلاً ولا تزيل جهلاً. ووصلت المراقبة على المطبوعات في أيامه إلى درجة من الهزل لم تصل إليها في أمة مغلوبة على أمرها فرفعت من المعاجم كثير من الألفاظ كالعدل والمساواة والقانون الأساسي والجمهورية ومجلس النواب والخلع والديناميت والقنابل وأصبحت الجرائد أبواقاً تضرب بتقديسه وتأليهه والعياذ بالله أو تكتب في التافه من الأخبار والأفكار. جرى كل هذا برأيه ورضاه لا كما يزعم بعض من يريدون أن يتفحلوا له الأعذار الباردة من أنها كانت من عماله ووزرائه وهو لا علم له بما يأتون.
كثرت في الأيام الحميدية أنواع المظالم وأصبح كلما طال عهده يشتد في إعنات من يخالف له فكراً أو يعرض له في الإصلاح أمراً حتى صار بعض العقلاء من عماله يتظاهرون بالبله أو ينقطعون عن الخدمة لأن سلطانهم لا يرضيه إلا أن يكونوا على قدمه في الظلم وارتكاب المنكرات. ولقد نصح به بعض سفراء الدول منذ بضع سنين أن يكف من شرور بعض العمال لأن استرسالهم فيها مما يسقط شأن المملكة ويضر بمستقبلها فقا لهم وماذا أعمل مع من ذكرتم وهم يحبونني ويتفانون في خدمتي أي إنهم في حلّ من عمل ما أرادوا من العسف في الأمة ما داموا يظهرون له الحب ويخدمون أغراضه.
اشتهر عبد الحميد بالحقد الشديد والحرص الأكيد والحدة المتناهية والاحتيال الذي ينطلي على ضعاف العقول فيقولون أنه الدهاء والحكمة.
وكانت هذه الأخلاق بادية عليه قبل أن يلي أمر الأمر حتى قال نابوليون الثالث فيه يوم رآه مع عمه السلطان عبد العزيز في باريز أن هذا الفتى سيجيء منه داهية باقعة فما هو إلا أن قيض الله له الجلوس على سرير آل عثمان حتى صحت فراسة نابوليون فيه بل برز في هذا المضمار.
كان السلطان عبد المجيد يحب ابنه مراداً أكثر من عبد الحميد لأن هذا كان يبدو عليه