قلما جاء في الملوك من ترضيك أخلاقه وأعماله لضعف التربية الدينية والمدنية ولأن الملك يسكر فيقتضي له عقل كبير يحسن به صاحبه التصرف ويراعي فيه حقوق الخالق والخلائق. ولذا ندر في ملوك بني عثمان والملك متسلسل فيهم منذ زهاء ستة قرون من تأهل بالفعل للجلوس على عرش السلطنة فقد رأيناهم وفيهم الأخرق والأحمق والمنتهك والمسرف على نفسه والسفاك ولكن لم يأت فيهم على التحقيق مثل السلطان الخامس والثلاثين عبد الحميد الثاني.
نقول فيهم وما أخلقنا أن نقول في غيرهم من ملوك الإسلام بل وفي الأمم الأخرى فقد تدبرنا تراجم ألوف من الملوك والعظماء ولم نشهد لعبد الحميد مثيلاً في أخلاقه وأعماله. بل رأيناه يشبه الناصر لدين الله العباسي بتجسسه وحرصه والحاكم بأمر الله الفاطمي بهذيانه وتلونه والحجاج بن يوسف الثقفي ببطشه وسفكه والسلطان إبراهيم العثماني بسفاهته وإسرافه. ومن جمع في شخصه هذه الصفات مجسمة كان جديراً بأن يدعى طاغية الملوك والسلاطين.
تولى عبد الحميد زمام السلطنة وكيلاً عن أخيه مراد الخامس لمرض طرأ على عقله وكتب على نفسه عهداً دفعه لمدحت باشا ناشر أعلام الحرية في المملكة العثمانية ثم أرسل على ما يقال من أحرق دار مدحت باشا وحرق العهد في جملة ما حرق وأخذ يستجلب قلوب أهالي الأستانة مدة وكالته حتى اجتمع الصدر محمد رشدي باشا ومدحت باشا فقررا دعوة رجال الدولة إلى الباب العالي للنظر في توسيد السلطنة إلى عبد الحميد أصالةً فاجتمع نحو ألف شخص من الكبراء وقرروا أن جنون السلطان مراد مطبق لا يرجى أن يفيق منه فأفتى شيخ الإسلام بحل إمامته وبويع لعبد الحميد الذي أظهر أولاً بأنه يميل إلى الحكم الدستوري ومنح القانون الأساسي ثم سلبه وأقفل مجلس الأمة وأتعب مدحت باشا في معاناة أخلاقه وكان أول عهد نكثه معه أنه أخذ على نفسه أن يعين لرئاسة كتاب امابين نامق كمال بك الكاتب الشاعر الشهير وضياء بك رئيس المابينية فعين غيرهما ثم أخذ يدس الدسائس ونفى مدحت باشا ثم أرسل به إلى الطائف فسجن في حبسها مدة ثم أمر بخنقه.
وأخذ السلطان يكثر من التضييق على أخيه السلطان مراد وعلى سائر أفراد الأسرة السلطانية ولاسيما ولي عهد السلطنة السلطان الجديد محمد خان الخامس الحالي ويشرد كل