الإسلام فمرحت تحت ظلالها ونالت بها أقصى آمالها ونثرت ثمراتها في الشرق ثم أرسلت فروع هذه الشجرة الزاكية النامية إلى ما وراء البر فصادفت خير مغرس في رياض الأندلس فإن الحرية الإسلامية أينعت لأول مرة في الفيحاء فتأرجحت بأريجها الأرجاء وأنبتت حضارة الإسلام في أرض جلق فازدهى بها المغرب كما اختال بها المشرق.
امتازت دولة العرب القائمة في دمشق على عهد معاوية ومن تلقى صولجانه بنعمة الحرية التامة حتى كانت هذه البقعة المباركة عروس الدنيا وقرارة المجد وكهف الشرف وأشرق سناها على الدنيا من أدناها إلى أقصاها.
غير أن الإنسان جبل على الاندفاع مع التيار وعدم الوقوف عند الحدود فلم تلبث هذه الحرية أن انقلبت إلى الإباحة فصار الناس فوضى وكان رؤوس الدولة أول من أسرف في الإساءة إلى الحرية فتابعتهم الأمة والناس على دين ملوكهم فانهار هذا الملك العظيم وغاضت عيون الحضارة في دمشق التي تزدان على الدهر بعيونها الفياضة.
لذلك أناشدكم الله أن تتعهدوا الحرية التي عادت إلى ربوعكم في هذا العهد السعيد فتحافظوا عليها ولا تفرطوا في العناية بها حتى لا تعود إلى الذبول فكفاكم ما حاق بكم من الخمول بسبب الانحراف عن صراطها المستقيم وهذه نصيحة خالصة أنحضكم إياها يا وجوه العرب لئلا تضيع منكم الحرية بتجاوز الحدود الذي يجعلها إباحة فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وكفاكم موعظة ما قاله مروان آخر الأمويين حينما ضاع ملكه في الشام وفر إلى وادي النيل فالتجأ هو وأهله وشيعته إلى كنيسة في قرية بوصير من صعيد مصر فلحقه المسودة أي جنود بني العباس وشعارهم السواد وكانوا في نفر قليل جداً بحيث كان من أسهل الأمور على مروان ومن معه أن يبيدهم عن آخرهم لولا أن دولته كانت في أدبار ودولتهم في إقبال فلم يمهلوه حتى يطلع النهار فلجأُوا إلى شجر ونخل ثم ناوشوه القتال فخرج إليهم وهو يقول: كانت لله علينا حقوق فضيعناها ولم نقم بما يلزمنا فحلم عنا ثم انتقم منا. ثم فكر في كثرة جيوشه بالشام فقال: إذا انقضت المدة لم تنفع العدة. وذلك أنه كان عندما استفحل أمر بني العباس استعرض جيوشه بالرقة فمر به من العرب وحدهم ثمانون ألف فارس على ثمانين ألف فرس عربي. ثم احتزوا رأسه وأخرجوا أكبر بناته من الكنيسة وهي ترعد فقيل لها لا بأس عليك فقالت أي بأس أعظم من إخراجي حاسرة من حيث لم