أر رجلاً قط. ثم أجلسوها ووضعوا الرأس في حجرها. فصرخت واضطربت. فقيل لهم ما حملكم على هذا. قالوا كفعلهم بيزيد بن علي حين قتلوه فإنهم جعلوا رأسه في حجر زينب بنت علي (صاحبة المقام المشهور في القاهرة) ثم أرسلوا الرأس إلى مدينتكم هذه فنصب على باب المسجد الأموي ثم بعثوا به إلى الكوفة فخر السفاح ساجداً لله وتصدق بعشرة آلاف دينار.
هذا الذي قاله مروان شبيه بمقوله هرقل حينما جاء أهل الإسلام وأجلوا الأروام عن بلاد الشام. ركب البحر وهو ينظر إلى الشام ويقول الوداع يا سوريا يا سلام عليك يا سوريا. ويشبه أيضاً قول أم أبي عبد الله آخر سلاطين بني الأحمر بغرناطة حينما أجلاه الإسبنيول عن تلك البقعة الباقية للعرب في ديار الأندلس. فإنه بعد أن سلم البلاد إلى فرديلند وإيزبلا وخرج في حاشيته وأهل بيته. أعاد نظرات كلها حسرات وأرسل رائد الطرف بمزيد الأسف وهو يتلهف على الحمراء فتهاطلت دموعه على خديه فقالت له أمه:
أبك مثل النساء ملكاً مضاعاً ... لم تحافظ عليه مثل الرجال
إن الذكرى تنفع المؤمنين لذلك أردت أن أسرد عليكم هذا النبأ الذي كان فيه ضياع الملك من دمشق ونزولها عن درجتها السامية التي لم تعد لها إلى الآن لئلا يتجاوز الناس حدود الحرية وقد أشرقت عليهم وعلينا في هذا العهد النوراني المجيد فيقعوا في شر أعمالهم كما وقع الأولون والعاقل من إذا مرت به العبرة ازدجر أو قيلت له الموعظة ادكر.
فلقد بلغ ملك بني أمية ما بين قرني الشمس ثم زال لأنهم أساؤا إلى الحرية التي نشروا أعلامها ورفعوا منارها حتى بلغت دولتهم من المجد أعلا ذراه فتقرب إليهم ملك الروم بإرسال مائة عامل من مهرة الصناع وأرسل إليه مائة ألف مثقال من الذهب الأحمر وبأربعين حملاً من الآلات حينما أراد الوليد تجديد الروضة الشريفة والزيادة فيها فبعث بهم إلى واليه عمر بن عبد العزيز فاستخدمهم وأنتم تعلمون ورع عمر بن عبد العزيز الذي لا يشبهه ورع مع ما تعلمون من شدة الخلف بين العرب والروم على امتلاك آسيا الصغرى التي كانت بين الفريقين حاجزاً حصيناً يرد العرب عن امتلاك فروق وهي كانت ولا تزال مطمح الأنظار.
ومما يدل على بلوغ الحرية في دمشق نهاياتها دون أن تتجاوز حدودها أن معاوية كان يمد