مجله المقتبس (صفحة 2302)

أرضى بذلك المذهب الذي يزعم أصحابه أن من قال لا أدري فقد دري أصف العلم وإنما أرتضي مذهب إبراهيم بن طهمان الخراساني فإنه ولد بهراة ونشأ بنيسابور ورحل في طلب العلم ونال منه قسطاً وافراً حتى كان له ببغداد جراية فاخرة من بيت المال فسئل يوماً في مجلس الخليفة فقال لا أدري فقالوا تأخذ في كل يوم كذا وكذا ولا تحسن مسألة فقال إنما أخذت على ما أحسن ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال ولا يفنى ما لا أدري. فأعجب أمير المؤمنين جوابه وأمر له بجائزة وزاد في جرايته.

فلذلك أرى في إجماعكم عليّ إلزامي بمحاضرتكم على ما أنا فيه من تشتت البال بالأسفار والحنين إلى الديار إنكم إنما قصدتم أن تشجعوا القائمين بالعمل على إحياء حضارة الإسلام وشد أزر الطالبين للعلم فلذلك امتثلت أمركم لئلا أخرق الإجماع ولئلا أكون شاذاً عن رأي الجماعة وتمثلت بما قاله الخليل أيضاً فقد قال ثلاثة تيسر المصائب سهر الليالي والمرأة الحسناء ومحادثة الرجال. فقد جئت لأحادثكم وأستفيد منكم فأردتموني على الخطابة بينكم فكان مثلي معكم كمن يحمل الصدف إلى عمان ولا أقول الدرر أو كمن يحمل الغرض من علوم الشرق إلى أهل دمشق ولا أقول الجوهر.

سادتي الكرام

مصر والشام توأمان ربطتهما الطبيعة والأخلاق قبل الإسلام وبعد الإسلام بعروة وثقى ليس لها انفصام فلا عجب إذا كانت كل منهما تحن للأخرى وتشاركها بعاطفة الود والقربى فيما يحل بها من سعد ورخاء أو ما ينزل عليها من نحس وشقاء لهذا تروني يا أبناء الأكرمين لا أستغرب منكم هذا الحنين لرجل من أبناء النيل أتاحت له الأيام أن يحل بركابه في أرض الشآم وقد كان آلى على نفسه أن لا يضع قدماً في أرض سورية ولا في غيرها من أرجاء السلطنة لما لاقاه من صنوف الحيف حينما غرر بنفسه في أحد فصول الصيف فولى وجهه شطر قبة الإسلام منذ بضعة أعوام.

أما الآن قد تفككت قيود الاستعباد ودالت دولة الاستبداد وزالت سلطة الفرد وقامت شورى الأمة على أساس ثابت كالجبال الرواسي وأعني به القانون الأساسي فأشرق نور الدستور على الجمهور فقد انفك عنه قسمه وصار في حل من العهد الذي أخذه على نفسه فلم يتمالك من الشخوص في أول فرصة إلى تلك الربوع التي خفقت عليها رايات الحرية في صدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015