سادتي الفضلاء
أحمد إليكم الله الذي آخى بينكم فجمعكم في صعيد واحد بعد أن كانت كلمتكم متفرقة وأشكره تعالى الذي جعل لي لساناً ناطقاً في هذه الدار الكريمة المشرقة بأنواركم المتألقة وأتقدم إليكم بالثناء الصادر من صميم الفؤاد على تنازعكم بإجماعكم على طلب مقولة مني في هذا المقام وقد سئمت الكلام فهربت من مصر إلى الشام ولكنني أظن أن الله كتب عليّ الكلام حتّى يوم الحمام فليس من مفر والسلام.
بيد أني أسألكم بالصفح يا نجوم الفيحاء عما تجدونه في محاورتي لكم من التقصير فعذري ظاهر وأنتم أنتم الكرام.
لعل هذه تكون أول محاضرة في ربوع هذه الحاضرة بعد أن هبت عليها نسمات الحرية العاطرة وقد طال عليها الاستعباد. والحرية خلق شريف يجاهر بسلطانها الإنسان بما يريد ما دام داخلاً في حدوده المرسومة له ولا يتعدى على دائرة غيره فلذلك أردت أن أتكلم عن شيءٍ من حضارات الإسلام التي توطدت دعائمها في دمشق الشام وفي دار السلام وفي القاهرة الفاطمية وفي قرطبة الأموية. فلأجدادكم في هذه الحاضرة الباهرة فضلان بدمشق وبقرطبة وأنتم البقية الصالحة لهؤُلاء الأسلاف الأشراف والأمل معقود بكم أن تقتدوا بهم وتزيدوا عليهم كما هي سنة الترقي وكما هو شعار الاتحاد.
فلم يبق لكم عذر بعد اليوم في وضع دعائم النهضة الحديثة بدياركم الشجراء الزهراء وقد كمنت فيكم تلك البذرة الصالحة على ما شاهدته بعيني وخبرته بنفسي.
ألا ترون من الفضول أيها الفضلاء أن يقوم فيكم نزيل من النزلاء ويناجيكم بما أنتم أهله بلا مراء. لعمري هذا منتهى الفضول من الواقف بينكم وهو ضعيف وصوته أضعف لأنه لا يتكلم أمام مائة ألف إذ يعتقد أن كل واحد منكم بألف. فأنتم إن لم يكن لكم عذر بعد اليوم في النهوض بأمتكم وبلادكم فلي ألف عذر في هذا المقام وأنتم أنتم الكرام. خصوصاً إذا اعترفت لكم بأنني من الطائفة الثالثة التي أشار إليها الخليل بن أحمد في قوله أن الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك غافل فنبهوه ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك مائق فاحذروه. لا أريد الافتخار بقولي لا أدري لأنني لا