تكون لي حيلة في إحيائه. ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بتجريده من الكفن ورده إلى المغسل وإعادة الغسل عليه حتى يزول رائحة الحنوط عنه ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال صحته ويطيب بمثل ذلك الطيب ويحول إلى فراش من فرشه كالتي كان يجلس وينام عليها حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته فأمر الرشيد بامتثال أمر الطبيب ثم دخل على ابن عمه فدعا صالح بكندس (وهو جذر نبات يشبه الخرشوف) ومنفخة ونفخ في الكندس في أنفه فمكث الميت مقدار سدس ساعة (10 دقائق) ثم اضطرب بدنه وعطس وجس قدام الخليفة وقبل يده. فسأله الرشيد عن قصته فذكر أنه كان نائماً نوماً لا يذكر أنه نام مثله قط طيباً إلا أنه رأى في منامه كلباً قد أهوى إليه فتوقاه بيده فعض إبهام يده اليسرى عضة لا يزال يحس بوجعها. وأراه إبهامه التي كان صالح أدخل فيها الإبرة. وعاش إبراهيم بعد ذلك دهراً وتزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر وقبره بها لأنه لم يدفن ببغداد حياً.
ومن كانت منيته بأرضٍ ... فليس يموت في أرض سواها
أما الحكيم النصراني الذي أحيا الموتى فهو رشيد الدين أبو الوحش بن الفارس أبي الخبر ابن أبي سليمان داود بن أبي المنى بن أبي فإنه الذي اشتهر فيما بعد باسم أبي حليقة. كان أبوه الفارس أبو الخير من رؤساء الجيش العاملين فكان يلبس ولده لباس الجندية مثل لباسه ويرشحه للخدمة في العسكرية مع المسلمين في محاربة الصليبيين كما جرت عادة الآباء في الشرق من جعل أبنائهم على حرفتهم. وذلك مصداق لما قاله الإمام النووي في التحفة وللإمام أو نائبه الاستعانة بأهل الذمة والاستئمان على العدو بشرط أن تؤمن خيانتهم بأن يعرف حسن رأيهم فينا. ويشترط في جواز الاستعانة بهم الاحتياج إليهم ولو بنحو خدمة أو قتال لقلتنا. ونفعل بالمستعان بهم الأصلح في إفرادهم أو تفريقهم في الجيش وكانت دار الفارس أبي الخير ملاصقة لدار السلطان العادل بمدينة الرها فاتفق أن الملك الكامل الأيوبي وهو ولي العهد دخل فيها الحمام فأعطى الفارس لولده رشيد الدين فاكهة وماء ورد وأمره بحمله إلى الملك الكامل. فلما خرج من الحمام وقدم الغلام بين تلك الألطاف أخذه معه وفرغ الأطباق من الفاكهة وملأها شققاً سنية وسيرها لوالده. ثم أخذ الكامل بيد الغلام النصراني وعمره يومئذ ثماني سنين ودخل به على السلطان الملك العادل ولم يكن رآه من