هذه العلة إن كل مملوك لصالح بن بهلة حر لوجه الله وكل دابة له فحبس في سبيل الله. وكل مال له فصدقة على المساكين. وكل امرأة فطالق ثلاثاً بتاتاً فقال الرشيد: حلفت ويحك يا صالح على غيب والغيب لا يعلمه إلا الله. فقال صالح: كلا يا أمير المؤمنين. إنما الغيب ما لا علم لأحد به ولا عليه دليل له. ولم أقل ما قلت إلا بعلم واضح ودلائل بينة. فسري عن الرشيد ما يجحد وأكل وشرب وطرب. ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح. فاسترجع الخليفة بالبكاء والعويل وأقبل على جعفر باللوم على إرشاده إلى صالح بن بهلة وأقبل يلعن الهند وطبهم ويقول: واسوأتاه من الله! أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أتحين فرص اللهو والقصف. ثم دعا بمقيءٍ فقذف به ما في جوفه من طعام وشراب وبكر إلى دار إبراهيم بكور الغراب ولم يرض الجلوس على النمارق والمساند بل وقف متكئاً على سيفه. وقال للفراشين: لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة على أكثر من البسط. وأمر برفع الفرش والنمارق وجلس بعد ذلك على البساط. فصارت سنة في المآتم لبني العباس ولا يزال أثرها باقياً على اليوم في مصر وغيرها من بلاد الشرق خصوصاً في دور الحريم. وبقي القوم في سكوت وسكون كأنما على رؤوسهم الطير حتى إذا سطعت روائح المجامر صاح صالح ورفع عقيرته وهو يقول كالمجنون: الله الله يا أمير المؤمنين أن تحكم بطلاق زوجتي وهي حلال لي وحرام على غيري. الله الله أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث. الله الله أن تدفن ابن عمك حياً فوالله يا أمير المؤمنين ما مات. فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه. وهتف بهذا القول مرات أزعجت الخليفة والحاضرين. فأمر بالإنعام عليه بما يريد. فدخل وحده ولبث الحاضرون يسمعون ضرب بدن بكف ثم كف. وإذا بتكبيرة ارتجت لها جوانب الدار وخرج صالح يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم قال: قم يا أمير المؤمنين حتى أريك العجب الأكبر. فدخل الرشيد وخواصه فأخرج صالح إبرة كانت معه فأدخلها بين ظفر إبهام يد الميت ولحمه فجذب الميت يده وردها إلى بدنه. فقال صالح: يا أمير المؤمنين هل يحس الميت بالوجع؟ فقال الرشيد: لا. فقال له صالح: لو شئت أن يكلم أمير المؤمنين الساعة لكلمه. فقال له الرشيد: فأنا أسألك أن تفعل ذلك. فقال: يا أمير المؤمنين أخاف إن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت. ويكون الموت حقيقياً ولا