مجله المقتبس (صفحة 1900)

قبل فلما أبصره قال للملك الكامل: يا محمد هذا ابن الفارس لأنه أخذه بالشبه فقال: نعم.

قال: هاته فحمله الملك الكامل ووضعه بين يدي السلطان فلاعبه ولاطفه وتحدث معه حديثاً طويلاً ثم التفت إلى والده وقد كان قائماً في خدمته مع جملة القيام وقال له: ولدك هذا ولد ذكي لا تعلمه الجندية فالأجناد عندنا كثير وأنتم بيت مبارك وقد استبركنا بطبكم أرسله إلى الحكيم أبي سعيد (أي عمه مهذب الدين الذي ذكرناه في غير هذا الموضع) ليقرأ عليه الطب بدمشق فامتثل والده فتخرج بها ثم جاء إلى القاهرة وكانت كعبة العلوم فأكمل دروسه بها وبرع حتى صار يشار إليه بالبنان هذا مع مواظبته على العبادة وتفقهه في دينه المسيحي وقرض المرقص المطرب من الشعر الرقيق المعجب ثم تولى السلطنة الملك الكامل واستقر بمصر فقرب رشيد الدين أبا الوحش وكان كثير الاحترام له فحظي عنده كثيراً حتى نال منه الإحسان الكثير والأنعام المتصل وأقطعه على سبيل الجراية نصف بلد عامرة بالشرقية تعرف بالعزيزية والخربة (وتعرف الآن بالعزيزية بمركز مينا القمح وهي منسوبة للعزيز الفاطمي) ولم يزل في خدمة الكامل حتى مات فخدم ولده الملك الصالح ثم ولده الملك المعظم تورانشاه حتى قتل وجاءت دولة المماليك واستولوا على البلاد واحتووا على الممالك الأيوبية فأجروه على ما كان باسمه ثم خدم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي وبقي في خدمته على عادته المستمرة وقاعدته المستقرة وله منه الاحترام التام وجزيل الأنعام والإكرام حتى وفاه الحمام.

كانت له اليد الطولى في الطب فقد أمره الملك الكامل بعمل الترياق الفاروقي المشهور فسهر عليه الليالي حتى حتق مفرداته بشهادة أئمة الصناعة أبقراط وجالينوس ولما تعذر عليه حضور أدويته الصحيحة من الآفاق ركب مختصر ترياق توجد أدويته في كل مكان ونوى أن لا يقصد به قرباً من ملك ولا طلب مال ولا جاه في الدنيا ولا يقصد به سوى التقرب من الله بنفع خلقه أجمعين وبذله للمرضى مجاناً فكان يخلص به المفلوجين ويقوم به الأيدي المتقوسة ويسكن وجع القولنج ويفتت الحصى ويزيل ألم الأسنان لوقته وساعته فشاع أمره وتحدث به الخاص والعام حتى سأله السلطان وقال له: يا حكيم إيش هذا الترياق الذي عملته ولم تعلمني به فقال: يا مولانا المملوك لا يعمل شيئاً إلا لمولانا وما تأخرت عن العرض إلا لتجربته أما وقد أصبح هذا لمولانا فصار على ثقة منه فقد حصل المقصود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015