أسكن موفق الدين هذا معه في قصره. ركب السلطان مرة بغلة النوبة وخرج إلى بين القصرين (بالجهة التي بها المشهد الحسيني الآن) فركب فرساً آخر وأرسل البغلة التي كان راكباً عليها إلى دار الحكيم بالقصر وأمر بركوبه عليها وخروجه من القصر راكباً،. ولم يزل واقفاً بين القصرين إلى أن وصل إليه فأخذ بيده وسايره يتحدث معه وسائر الأمراء يمشون بين يدي الملك الكامل. والشيء من معدنه لا يستغرب. فقد كان الكامل كاملاً بأكمل معاني الكلمة لا يفرق بين مسلم وذمي ممن تحلى بالفضيلة والكمال.
ذكرت لكم قصة اليهودي الذي أحيا الميت. وبما أنيي في معرض التوفيق بين العناصر المختلفة التي تجمعها راية واحدة هي راية الوطن فأخشى أن يكون المسلمون والنصارى قد نقموا على هذا العاجز أن لا يذكر منهم رجالاً أحيوا الموتى. فاسمحوا لي إذن بذكر حادثتين.؟ وأبدأ بالمسلم لتقدمه في الزمن ليس إلا وأثني بالمثلث وإن كان دينه جاء أولاً.
جلس هارون الرشيد في بعض الأيام وقدمت بين يديه الموائد وجبرائيل بن يختيشوع غائب فامتنع أمير المؤمنين عن الأكل حتى يحضر جليسه وسميره. وأمر بطلبه ليحضر الأكل مع صحابته على عادته. فبحثوا عنه في جميع منازل الحرم والأمراء ولم يقع القوم له على أثر. فتكدر الرشيد وطفق يلعنه ويقذفه وإذا بجبرائيل داخل عليه وقد سمع سبه بأذنه فلم يهلع ولم يتروع بل قال: لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك ما هو فيه من تناولي بالسب كان أشبه فاستفهم الخليفة عن الواقع فأعلمه أنه خلفه وبه رمق ينقضي آخره وقت صلاة العتمة فاشتد جزع الرشيد وأمر برفع الموائد وأقبل على البكاء حتى رحمه جميع من حضر. فقال جعفر البرمكي: يا أمير المؤمنين إن طب جبرائيل رومي وعندنا صالح بن بهلة وهو في العلم بطريقة أهل الهند مثل جبرائيل في العلم بمقالات الروم. فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجهه إلى إبراهيم بن صالح لنفهم ما يقول مثل ما فهمنا عن جبرائيل. فأمر الرشيد ورجع صالح الهندي المسلم بعد هنيهة وسأله جعفر وشدد في معرفة الخبر فأبى صالح بن بهلة وأصر على القول بأنه لا يكاشف بما ره غير أمير المؤمنين فلما أدخل عليه قال: يا أمير المؤمنين أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء للحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه. وأنا أشهدك يا أمير المؤمنين وأشهد على نفسي من حضرك أن إبراهيم بن صالح إن توفي في هذه الليلة أو في