قال الحكمي أوحد الدين عمران الإسرائيلي أنه حضر بيع كتب ابن المطران المذكور فوجدهم قد أخرجوا أجزاء صغيرة من الكتب الصغار أو المقالات المتفرقة في الطب مما استنتسخه أو نسخه ابن المطران بخطه وكان عددها كثيراً جداً بلغ الوفا كثيرة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فأرسلوا له بملء خزانة صغيرة منها فنظر فيها ثم ردها. فبلغت في المناداة ثلاثة آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها. وقال أنه حصل الاتفاق مع الورثة أنهم أطلقوا بيعها كل جزء بدرهم. فاشترى الأطباء هذه الأجزاء الصغار على هذا الثمن بالعدد.
وهذا الحكيم عمران الإسرائيلي توفي بعد المطران بسنتين وقد أخذ الطب عن الشيخ رضي الدين الرحبي أستاذ أو أستاذ أساتذة الأطباء جميعاً بالشام وتلميذ ابن جميع الإسرائيلي المصري. وقد جرى الحكيم عمران على مذهب شيخه في عدم خدمة الملوك والسفر معهم. ولكنهم (وخصوصاً بني أيوب) غمروه بالإحسان السني والعطايا الجزيلة. حتى حاز من الأموال الجسيمة والنعم ما يفوق الوصف. ولقد حرص الملك العادل أبو بكر بن أيوب أن يستخدمه في الصحبة فما فعل. واجتهد الملك الناصر داود الذي ذكرناه قبل هذا بأن يجعل له في كل شهر ألفاً وخمسمائة درهم وقدم له مرتب سنة ونصف مقدماً فلم يقبل فوهبه مالاً كثيراً وتركه على حريته. وكان السلطان الملك العادل لم يزل يصله بالأنعام الكثير وله منه الجامكية الوافرة والجراية وبقي مرتبه محفوظاً له بعد موت الملك العادل في سلطنة المعظم وليس عليه سوى أن يتردد على الدور السلطانية بالقلعة وإلى البيمارستان الكبير لمقابلة المرضى.
وقد بلغ من إكرام اليوبيين لأهل الفضل أن الحكيم موفق الدين أبا شاكر النصراني حظي عند الملك العادل حظوة عظيمة وتمكن منه ومن دولته تمكناً كثيراً فأنعم عليه بضياع كثيرة وغيرها ولم يزل يفتقده بالهبات الوافرة والصلات المتواترة. وجرى الملك الكامل معه على سنة أبيه وزاد فإنه أباح له الدخول راكباً في جميع قلاعه مثل قلعة الكرك وجعبر والرها ودمشق والقاهرة وكان ذلك منتهى التشريف في تلك الأيام خصوصاً لمن كان متمتعاً بالصحة والعافية مثل ذلك الموفق. ولقد بلغ من أمره أن العادل حينما ترك دار الوزارة التي كانت مقراً لبني أيوب بعد ذهاب دولة الفاطميين واستقر بقصر القاهرة في القلعة أنه