مجله المقتبس (صفحة 181)

التنسيق ولطف الأداء. . . وقلَّ في العهد الأخير من يدانيه في إجادة الترجمة والتعريب في العلميات المجردة وله بذلك ملكة خاصة لم يسم إليها غير أفراد من أهل العلم الكاتبين كما أنه عرف بحسن الاختيار وانتقاء الموضوعات المفيدة حتى يكاد يكون ذلك مزية خاصة به وجرى في توقع المناسبات على قدم المجلات الأميركية والإنكليزية من إعداد مقالات للنشر كل آن ومقالات لا تنشر إلا في أوقات خاصة. فقد نشر لي مقالة بعد ثلاث سنين من إرسالها إليه ونشر أخرى بالمناسبة بعد سنتين.

ويقول منشئ المقتطف أنه يؤلفه من مجلات كثيرة لأهل الأخصاء من علماء السكسونيين وما كل مطلب من مطالبه إلا وهو نتيجة أبحاث عقول كبيرة درسته حق دراسته. دع عنك ما في مكتبته من دوائر المعارف أو الموسوعات (الانسيكلوبيديات) والكتب العلمية الإفرنجية وخل عنك خبرة صاحبيه في معظم الفنون التي يكتبان فيها على ما صرحا بذلك في آخر السنة العشرين.

ومع أن للمقتطف مشرباً يصعب أن تقبله كل النفوس وأشياعاً يغالون في محبته وإجلال ما يصدر عنه نراه إلى اليوم يراعي أكثر الأذواق استحساناً. ومن مزج خدمة العلم بخدمة نفسه في الماديات فاتخذ العلم تجارة والتجارة باباً للعلم قد ينجح في الأعم من حالاته. من أجل هذا اضطر المقتطف في الربع الأخير من عمره أن يجاري بعض المجلات في نشر الأبحاث الأدبية فأجاد في بعض رواياته المترجمة ولم يجد في المختارات الأدبية فجاء من المقتطف صحيفة عامة تبحث في أمور كثيرة يصح أن يقتنيها أهل كل جيل وقبيل ولا مسحة عليها من صحف الاختصاصيين من الغربيين تلك الصحف التي تنصرف إلى علم أو عدة علوم لا تتعداها فتطيل فيها وتتوسع ما شاءت وشاء غرضها. وللمقتطف عذر في ذلك مادام أهل الأخصاء في الشرق لا يعيشون من أقلامهم وما عم العلم بيننا حتى يخص. ولكن كان الأجدر به أن يخص بعض من تفردوا بالآداب وذاقوها كل الذوق ليكتبوا فيه أمثال هذه الموضوعات ويحكموا على ما يرد منها من أقلام المراسلين.

وأقل ما تم على يد المقتطف من الحسنات أن أناساً ممن أعرفهم في مصر والشام علت بالمواظبة على الأخذ منه أفكارهم وأزال عنهم أدران الغباوة وفتح لهم باب البحث وإعمال الفكرة وغرس فيهم الميل إلى المطالعة والتأليف وأوقفهم على إجماليات من العلوم الحديثة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015