قلما قام في هذه البلاد عمل مادي أو علمي أو غير ذلك أعواماً طويلة إلا وأصابه من خور عزيمة أربابه وتشتت أهوائهم أو قلة بضاعتهم ومناصبة الأحوال لهم ما تتداعى به أركانه وينحل كيانه. قال بعض العلماء أن حياة الإنسان ثلاثون سنة أي أنه يندر أن يعمل عملاً نافعاً طول حياته أكثر من هذه المدة أو ما يقرب منها وبعد ذلك إما أن يضعف أو يعوقه عائق. بيد أن مجلة المقتطف بلغت هذا السن في هذه الآونة والهمة في تحسينها تتجدد والفائدة الناتجة منها تعظم.
قلَّ في المشاريع ولاسيما العلمية منها ما سار به صاحبه على سنة الارتقاء الطبيعي ولذلك قلَّ في أربابها المفلحون. أما صاحب المقتطف فعملاً أولاً تحت نظارة أستاذ لهما عظيم الدكتور كرنيليوس فانديك الأمريكي ولم يخرجا عن حد الخطة التي رسمها لهما فكانت صفحاتهما بادئ بدء قليلة وكتابتهما لا تخلو من ضعف وموضوعاتهما بسيطة تتناولها أذهان الصبيان لأدنى نظر وعلى ما قام من المنشطين لعملهما في ذاك العهد من رجال البلاد لم يبلغ المقتطف الغاية التي كانت ترجى له من الانتشار وكثرة الانتصار.
ولقد خيف عليه السقوط أولاً خصوصاً عندما قام بعضهم في مناصبته. ومن العادة أن ينتقد بل أن يعادي كل من يكتب في الأبحاث الجديدة ويدعو إليها ولاسيما ما كان منها فيما لم تألفه عقول القوم من الفلسفة الطبيعية والمعارف المادية. فثارت مثارات النفوس لأول وهلة واستعظم بعضهم إقدام صاحبيه ولو لم يمزجا عملهما بشيء من التقية والمداراة ويهضما النفس في الأحايين لكانت أقل صعوبة يلقاها مثل هذا المشروع تكفي في إخفاق المسعى وانفضاض الناس من حوله. ولو ظل المقتطف يقبل المناقشة فيما يكتبه وينشره لانصرفت وجهته من الكليات إلى الجزئيات وضاع المقصود من إنشائه فقد نصح لهما أستاذهما بالعدول عن خطة المماحكات على ما أثبتا نصيحته في السنة الثامنة فلم يضيعا بعد الوقت في الجدال سدى. ومذ ذاك أخذت كتابة المقتطف وأبحاثه ترتقي مع الزمن بكثرة مران القائمين به.
وبعد فليس هذا ما هيأ الأسباب لقيام المقتطف بل هي الدروس التي أحسن صاحباه تلقيها في أول أمرهما ومرنا على الكتابة فيها والخبرة التي توفرت لهما بكثرة المعاناة والدرس وذاك النور الذي ما فتئا يقتبسانه من أستاذهما إلى آخر عمره. وقد عرف المقتطف بحسن