دينار عندما هبط مصر بعد أن فارق سيف الدولة بن حمدان فلم يسعه إلا مدحه. واتصل بكافور ملك مصر فأعطاه ومدحه ثم لما أراده على أن يوليه ولاية صيدا وكان كافور وعده بولاية بعض أعماله فلما رأى تعاليه في شعره وسموه بنفسه خافه وعوتب فيه فقال: يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم أما يدعي المملكة مع كافور فحسبكم هجاه أقبح هجو لما لم يرضه ورحل عن مصر فبعث على أثره من يقبض عليه ولكنه كان خلص إلى بلاد أخرى. وهكذا لو استقريت أحوال الشعراء في تلك العصور لوجدت شعرهم يعلو على حسب أقدار من يمدحونهم من معاصريهم من الملوك وكلما اقترب الشاعر من كبير كبر كما قيل جاور السعيد تسعد. ومن أعظم الشعراء الذين اشتهروا وصار لشعرهم موقع لقربهم من الكبراء وأخذهم الجوائز على قصائدهم عمارة اليمني من أهل القرن السادس وهذا الرجل كان كالمتنبي غريباً في أطواره. كان كما قال عن نفسه من قحطان ثم الحكم بن سعد العشيرة المذحجي من مدينة في تهامة في اليمن يقال لها مرطان من وادي وساع وبعدها من مكة في مهب الجنوب أحد عشر يوماً وكان أهلها بقية العرب في تهامة لأنهم لا يساكنهم حضري ولا يناكحونه ولا يجيزون شهادته ولا يرضون بقتله قوداً بأحد منهم ولذلك سلكت لغتهم من الفساد وإذ كان من أهل بيت مجد وعلم انتدبه صاحب الحرمين إلى السفارة عنه والرسالة منه إلى المصرية فقدمها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر الفاطمي والوزير له الملك الصالح طلائع بن رزيك فلما أُحضر للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدهما قصيدة أولها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم ... حمداً يقوم بما أولت من النعم
لا أجحد الحق عندي للركاب يدٌ ... تمنت اللجم فيها رتبة الخطم
قرّين بُعد مزار العزّ من نظري ... حتى رأيت إمام العصر عن أمم
ورحن من كعبة البطحاء والحرم ... وفداً إلى كعبة المعروف والكرم
فهل درى البيت أني بعد فرقت ... ما سرت من حرم إلاّ إلى حرم
حيث الخلافة مضروب سُرادقها ... بين النقيضين من عفو ومن نقم
وللإمامة أنوار مقدسةٌ ... يجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم