مجله المقتبس (صفحة 1605)

أفضت النوبة إلى المتوكل فقام في اضطهاد الفرق المخالفة للجمهور رعاية لمشرب العامة وخلاصاً من فرقة إذا قوي أمرها في مشارق الأرض ومغاربها كان فيها الخطر على أمر الخلافة لأنها شرطت فيها شروطاً يصعب القيام بها على كثير ولم تزل حالة المعتزلة بين انخفاض وارتفاع حتى انحطت الأمة انحطاطاً زائداً وقبل انقراضها كان كثير من الملوك يسعى إلى إبادتهم بالسيف كما يعلم من التاريخ ولم يبق لهم ملجأ غير اليمن فإن فيه تكون حزب ذو عدة وعدة يصعب محوه وهم المسمون: الزيدية فما الزيدية إلا فرقة من فرق المعتزلة يخالفون جمهورهم في بعض مسائل الإمامة ونحوها.

ومذهب المعتزلة في كون الإنسان مختاراً ليس كما ينقله عنهم المخالفون لهم فإنهم ينقلونه على صيغة مستبشعة ينفر منها العوام فضلاً عن الخواص فمن ثم وافقهم عليه كثير من علماء أهل السنة كما وافقهم على كثير مسائلهم الفرعية التي استخرجوها وكانت هذه الفرقة كثيراً ما تذكر في التاريخ بأنها معتزلة مع أن المترجم يكون من المخالفين للمعتزلة في باقي مسائلهم أشد المخالفة فكان يقع للناظر في التواريخ اضطراب وحقيقة الأمر تفهم مما ذكر التاج السبكي في الطبقات فقد نقل في ترجمة القفال عن الحافظ ابن عساكر أنه قال في القفال: بلغني أنه كان مائلاً عن الاعتدال قائلاً بالاعتزال في أول أمره ثم رجع إلى مذهب الأشعري. قال السبكي وهذه فائدة جليلة انفرجت بها كربة عظيمة وحسيكة في الصدر جسيمة فإن مذاهب تحكي عن هذا الإمام في الأصول لا تصح إلا على قواعد المعتزلة وطال ما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلي واستند الوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار قال سمعت أبا سهل الصعلوكي وسئل عن تفسير الإمام أبي بكر فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أي دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال. والقفال هو أستاذ عصره قرأ عليه الأشعري علم الفقه وقرأ هو عليه علم الكلام وهو معدود من كبار أئمة الشافعية وعلل السبكي ذلك بقوله اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا في الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم.

والمعتزل هم الذين أحدثوا علم الكلام وكان الأولون ينهون عنه إلا أن النفوس لما كانت مولعة بالعلم مطلقاً تابعهم عليه غيرهم وألفوا كثيراً وأوهموا اللائمين لهم بأن الكلام انتهى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015