عنه إنما هو الكلام على طريقة المعتزلة غير أن الكتب التي ألفت على طريقة المعتزلة أمتن جداً لما كان في أصولهم من منع التقليد البتة ولذلك لم يكن بعضهم يقلد بعضاً وإن كل إنسان مكلف بقدر ما أداه إليه اجتهاده ووسعه ولا يخفى الفرق بين المقيد والمطلق. وهم الذين وسعوا أصول الفقه حتى أن أكثر المسائل المذكورة فيه هي من مبتكراتهم غير أن الأصوليين لم يحبوا أن يتركوها لهم وهذا ظاهر لمن يتتبع فن الأصول عصراً فعصراً وأما ما يرميهم به خصومهم من أن الاعتزال نشأن من انتشار كتب الفلسفة فهي فرية لأن الاعتزال وقواعده الأصلية نشأت قبل ترجمة كتب الفلسفة المتعلقة بالإلهيات بلا خلاف وكثير مما قالوه كمسألة الاختيار المطلق ومسالة خلود العاصي مؤبداً ونحو ذلك كان يستعين خصومهم في الرد عليهم بها بكلام الفلاسفة وإنما كان دأب المعتزلة بمقتضى متانتهم أن يخوضوا في أي شيء كان من العلوم التي كانت قبل وأن يجرؤوا على ما يظهر لهم لاعتقادهم وجزمهم بأنه لا توجد حقيقة تختلف عن الدين فكانوا أشد الناس إسراعاً للخوض في الفنون وأكثر المؤلفات النهمة في العلوم المنوعة ما عدا الفقه يدهم فيها أطول من يد من يخالفهم إجمالاً. والتاريخ يظهر ذلك بأجلى مظاهره وأما الفقه فإنهم أخذوا فيه بما أخذ به غيرهم لاعتقادهم أن الخطب فيه سهل غير أن لهم في الفقه دقائق غريبة يجدها الإنسان في تضاعيف الكتب هم منشئوها وأما الحديث فإنهم رأوا كثرة الوضع وظهر لهم أن التمييز بين الصحيح وغيره يعسر ولاسيما ما وري من طرق غيرهم فإنهم لا يطمئنون إليه لاعتقادهم أن كثيراً من أهل الورع والصدق من غيرهم ربما يجوزون وضع الحديث للمصلحة وشاهدوا في عصرهم أحاديث وضعت في حقهم مثل القدرية مجوس هذه الأمة فنفروا من المحدثين وثلبوهم أشد ثلب ولما كان علم الحديث أهم علوم الدين وهم أشد الناس ولوعاً به ذهبوا إلى قاعدة غريبة وهي أن كل حديث لا يخالف القرآن وهو قريب من مقاصد الشارع أو كان مما يدل على مكارم الأخلاق سلموا به إجمالاً بدون نظر في رواته وما وجدوه مخالفاً لذلك ردوه البتة ومن هذا نشأ كثرة ما تراه من ذكر الأحاديث في كتب مثل الجاحظ والزمخشري وغيرهما من أئمة المعتزلة فهم يبحثون عن القول لا عن الرواية.
غير أنهم يعتقدون أن من أخذوا بقوله كان على مذهبهم ومشربهم. وقد وقع في التواريخ