أثناء ذلك ظهرت فرقة هي بالفرقة السياسية أشبه منها بالفرقة الدينية وهي فرقة الشيعة المشايعة لأمير المؤمنين على بن أبي طالب والشيعة حزبان حزب منهم كانوا يقولون أنه هو الأحق بالخلافة غير ان عوارض الأحوال أوجبت تأخيره لكثرة أعدائه من المنافقين وغيرهم وكانوا لا يطعنون في الذين أخروه عنها وقسم آخر يقولون إنما أخروه لعداوة في أنفسهم لا رعاية لمصلحة الأمة ثم أخذ كل مذهب دوراً من الأدوار كما يعلم من التواريخ المفصلة.؟
وإذا كان الخوارج أرباب حرب وضرب وتحمس في الدين وعبادة ونسك ولم يكن لهم بصيرة في العلم كانت أمورهم العلمية بسيطة جداً وأكثر ما يقابلون به السيف. أما المعتزلة فكانوا في أمرهم أرباب توخي وتأن واستبصار بما يقتضيه الوقت وكان مقتضى مذهبهم القيام بإنكار المنكر ولو أفضى الأمر إلى سل السيف إلا إن كان ذلك مشروط فيه الإمكان فكان المعتزلة بغيضين إلى فريقين العامة والأمراء أما الأمراء فلما يشترطونه في الإمارة من الشروط التي إذا انتشرت في أفكار العامة لم يتيسر لأمير أن ينطلق في أمر الأمة بما يشاء وأما العامة فلأنهم ينفرون ممن يخرجهم عن الدين بمجرد إتيان المنكرات التي أطلق لهم العنان من طرف خفي أمراء السوء الذين يهمهم أن تكون العامة ممن يعينونهم على مقاصدهم وكانت هذه الفرقة أعظم الفرق في المفاضلة عن الدين ورد شبه الملحدين وكان الجمهور يقولون لا حاجة لنا إلى الجدل فإن كل من خالفنا استتبناه فإن تاب فيها ونعمت وإلا طهرنا الأرض بسفك دمه عليها ولم يزل الأمر كذلك حتى أفضت النوبة إلى المأمون وكان ممن خالط ناساً منهم وكان لهم دهاء عظيم في مخالطة الطبقات العالية مع انكماشهم وشدة ورعهم فتلقف المأمون أفكارهم فقويت في نفسه فلما أفضت الخلافة إليه بادر إلى إعلانها وكان مقتضى الحال أن يدعو إلى مذهبهم كما يقتضيه حال كل من أخذ بمذهب إلا أن المأمون للمبدأ الذي كان عليه وهو إطلاق الحرية للموافق له والمخالف وجد من الواجب أن يطلق العنان لكل الفرق فالتي أخطأت يتيسر إقناعها بالحجة والبرهان والتي معها الحق ينبغي أن تتبع على ما معها منه فانطلقت في عصره جميع الفرق وجعل في داره مجالس للمناظرات بين أرباب الملل والنحل وكان العصر المفرد في ذلك.
ثم لما أفضى الأمر من بعده خف إطلاق العنان لهم. غير أنه بقيت في ذلك بقية حتى