مجله المقتبس (صفحة 1603)

المعتزلة

من العادة أن كل فرقة أو أهل مذهب إذا أرادت أن تصف الفرقة المخالفة لها تبخسها حقها وربما نسبت إليها ما لم تقله اعتقاداً منها بأن تنفير الناس عن المخالف والدعوة إلى المذهب لا يتيسران إلا بهذه الطريقة الغثة الباردة حتى أن بعضهم جوزوا الكذب على المخالف وما ندري أي دين سماوي أو مذهب فلسفي يجوز الكذب في أمثال هذه المسائل. والمعتزلة ما خلوا ممن يرميهم بما ليس فيهم خصوصاً أيام استحرت المجادلات بينهم وبين الفرق الأخرى من أهل الإسلام أيام كانوا ممتعين على عهد أوائل الدولة العباسية بحريتهم الدينية على أصولها ولم يلاقوا من أرباب السلطة شدة ولا عنتاً. وقد كثر بحث الغربيين في العصر الأخير عن المعتزلة ومنشأهم حتى قال بعضهم أن من سوء طالع المسلمين أن ينقرض المعتزلة فإنهم كانوا معدلين لأمزجة الحكومات وأرباب المذاهب الأخرى إذ جروا مع العقل وطبقوا المنقول على المعقول ونظروا إلى الجوهر أكثر من العارض ومن حكم العقل في أقواله وأفعاله يحترمه أحبابه وخصومه على السواء.

ولقد استطلعنا رأي أحد كبار علماء الإسلام في أمر المعتزلة فأملى علينا الجملة التالية فكانت خلاصة أحوالهم وغاية الغايات في الإفصاح عنهم. قال دام نفعه:

في أواخر عصر الصحابة ظهرت ثلاث فرق من فرق الإسلام أولاها الخوارج وهذه الفرقة من الفرق التي اعترضت على علي بن أبي طالب في تجويزه التحكيم بأمر الخلافة وكانت تحكم بكفر الفاسق صريحاًُ كشارب الخمر ونحوه فضلاً عمن يسعى في سفك دماء المسلمين لأجل مأرب دنيوي ومذهبها مبني على هذه القاعدة وكان في ذلك العصر قد دخلت الناس أفواجاً في دين الإسلام بسبب الفتوحات العظيمة وأكثرهم ممن لم يتهذب بمكارم أخلاق الدين فكان الناس يسمون المتساهل في الدين فاسقاً ويجعلونه من المسلمين البتة وكان كثير من الناس يصرح بأن الأمور كانت مقدرة عليهم تخفيفاً عنهم من الملام وفي خلال ذلك هبت فرقة لهم شدة تمسك بالدين وتحلاٍ بآدابه فأنكروا ذلك وصرحوا بأن الإنسان مختار في أعماله وأن الله تعالى لو أجبر الإنسان على عمله لم يؤاخذه عليه وجعلوا الناس ثلاثة أقسام مؤمن وكافر وفاسق فالمؤمن من يقوم بجميع شروط الدين والكافر الجاحد مطلقاً والفاسق من أتى بكبيرة ومنعوا من تسمية الفاسق باسم المؤمن واعتزلوا مجلس الحسن البصري لأنه لم يرض بالتصريح بسلب اسم المؤمن عن الفاسق فسميت هذه الفرقة المعتزلة. وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015