الموت وهل للجزاء من حقيقة؟ فاه بهذا السؤال وهو محتاج لجواب إيجابي فكان جواب الطبيب له: إذا عنيت بالجزاء أن على المرء أن يذكر ما قدمت يداه وأن هذا هو الجزاء فإنني لا أرى فيه شيئاً من البلاهة ولطالما اعتقدت بأن كل امرء في ذاته بل الإنسانية بمجموعها يجب عليهما أن يحاسبا عاجلاً أم آجلاً عما أتياه من الأقوال والأفعال في هذه الحياة الدنيا. ولما سمع الشيخ هذه العبارة قال: إنني لا أفهم. فأجابه الطبيب: ومع هذا فأنت مدرك ما أعتقده من أنه لا بد من وقت يجيء في هذه الحياة أيضاً ويكافأ فيها الخير ويعاقب الشر. فقال الشيخ يجازى في هذه الحياة بالذات هذا غير ممكن بل متعذر كل التعذر.
ولما فاه الشيخ كريمور بهذه الكلمات فاه بها بلهجة الفزع وقد تمسك بذراعي الكرسي وهو يحدج الطبيب ببصره وقالا: كلا أنك لا تقول ما تفكر فيه وما أنت إلا مردد لما كنت سمعته فقل لي ماذا يقول العلم وما أظن العلم يقول بما أنت تدعيه فما يعلمك العلم؟
فأجابه الطبيب: ليس للعلم في هذا الموضوع شأن وما أنا مصرح لك باعتقادي بعد تجاربي الخاصة ومعرفتي في الحياة. فلما سمع المريض ذلك حاول ان يقلل الشدة لأنه لاحظ أن ما صرح به من معتقداته قد أثر تأثيراً شديداً في المريض فاستلقى على ظهره في الكرسي من جديد وأخذ يطبق عينيه ويفتحهما ويطوف الغرفة والفزع الشديد آخذ منه واصفر وجهه أكثر من ذي قبل وأصبحت يديه بلا حراك على ذراعي المقعد وقال: تجاربك أيها الطبيب تجاربك تقول بذلك؟ فقال الطبيب: نعم هذا هو اعتقادي أعتقده وأكرر وأقول غير هياب ولا وجل أن كل امرء في هذه الأرض يجازى عما قدمت يداه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر وتؤخذ منه الفائدة (الربا) وفائدة الفائدة أضعافاً مضاعفة.
فلما فاه الطبيب بهذه الجملة نظر إليه كريمور نظرة من يحب الاقتناع بأن هذه الأفكار هي من الأفكار الخاصة للدكتور ليس إلا وقال: مع الفائدة وفائدة الفائدة ولكن هذا القول فظيع وهو معتقد غير مقبول.
وهنا أدرك الطبيب أن هذا الحديث لا يزيد المريض إلا ضيق صدر فقاطعه وقال: عليك يا صاح أن تطرد من ذهنك الأفكار السيئة وأن لا تفكر إلا في شفاء جسمك وأن تساعد على نقاهتك ما أمكن وها قد أصبحت أحسن صحة من ذي قبل فما عليك إلا أن تعنى بالشفاء كل العناية. ثم سلم وانصرف.