فنظر إليه كريمور حتى إذا غاب عن نظره عاد يحدق في كل مكان محاولاً أن يجلس في كرسيه بحيث كان ينظر إلى الغرفة بمجموعها وأنه لكذلك دخلت عليه الخادمة فقال لها أريني ماركوس فقد تاقت نفسي إلى رؤيته. فنادت مريم هذا الولد وكان في غرفة في الطبقة العالية يستعد للذهاب إلى المدرسة وكاد يأتي على صفحة من كتاب النحو اللاتيني ويستظهرها كلها. فخف إلى غرفة جده وكتابه مفتوح في يده وأخذ مقعده في زاوية من زوايا الغرفة. ولما سمع كريمور بقدوم حفيده سكنت نفسه بعض الشيء وأغمض عينيه ليحاول أن ينام ولكن استيقظ مرتجفاً قائلاً: يا ماركوس هل أنت عندي؟ فأجابه الولد نعم يا جداه أنا هنا.
ومنذ ذاك اليوم أصبح يجيء الولد إلى غرفة جده كل يوم ولم تنعكس صحة هذا ولكنها لم تتحسن أيضاً وعلى هذا النحو مضى الأسبوع. والطبيب يعود مريضه كل يوم وقد ظهر له أن كريمور يكاد لم يستعد قواه إلا ببطء شديد ولم يعودا يبحثان فيما بينهما عن المعتقدات وقد حاول المريض أن يعود إلى الخوض في هذه الموضوعات ولكن الطبيب كان يقاطعه ويدخل في شؤون أخرى.
مضت على ذلك أيام والعجوز لا يترك كرسيه إلا للنوم في سريره وقد حدث أنه جر نفسه مرة وحده وساقاه ضعيفتان إلى المخزن وكان متصلاً بداره ولم يلتفت في الحقيقة إلى ما كان يجري فيه أمامه وقد هدد بيده المستخدمين الذين كان يعتقد أنهم يزنون ويقيسون على الصول وعاد فاستشاط غضباً منهم على نحو ما كان يغتاظ أيام صحته عندما دار في خلده بأنهم يحسنون الكيل والوزن والقياس. وأتت عليه ساعات وهو يردد ما قاله لبعض مستخدميه عندما رآهم يزنون بالميزان ويقيسون بالمقياس: لا تزنوا هكذا بل أقل من ذلك وإلا فأنا. . وبقي يردد هذه النصيحة بدون أن يكلم أحداً بعينه ولكن هذا التهديد كان ينبعث من فؤاده كنه عام لجميع من يخالفوه إرادته.
ولم يطل مقامه في غرفته وهو يشعر بأنه أحسن حالاً فيها من حيث الصحة وأخذ يطوف غرفته ويتماسك وكان عليه لما فيه من الضعف أن لا ينهض من سريره ولكنه كثيراً ما يمشي في ألبسته الرثة ويقف أمام الشباك ويهز رأسه ويقول وهو صموت بل يحنق ويقول همساً: مع الفائدة وفائدة الفائدة! يقول هذا ثم يهز رأسه هزة غريبة وينظر إلى كرسيه