الاطمئنان واستغرق بعد ذلك في النوم فنام حتى الصباح.
ولما استيقظ أجلسته مريم في كرسيه حضر الطبيب فسأله عن صحته ثم كلمه في شؤون وشجون إلا أن كريمور كان مشغول القلب فلم يجب الطبيب بغير لا ونعم ثم انقطع الطبيب عن كلامه فأنشأ المريض ينظر إلى الطبيب وحاول أن يضحك من شق فمه الذي لم يُفلج وقال له: يقال أيها الدكتور أنك لا تعتقد بشيء. فأجابه الدكتور قائلاً: ما من أحد وهو لا يعتقد بشيء يا عزيزي كريمور. فقال هذا: أعني بقولي يا حكيم أنك لا تعتقد أي أنك لا تعتقد بالشيطان. فاستضحك وقال وهو يدرك ما يجول في خاطر صاحبه: أو تعتقد بأن للشيطان وجوداً؟ فقال كريمور: كلا لا وجود للشيطان. قال هذا وحاول أن ينهض من كرسيه وأمسك يد الطبيب فقال: كنت أعرف حق المعرفة بأن ليس ثمت وجود شيطان ولا جهنم أيضاً. فقال الطبيب: نعم أنا على ثقة من أن الشيطان وجهنم لا وجود لهما. فأجاب الشيخ المريض: إنك تعرف ذلك وأنت الذي درست العلوم وأحكمتها. فقال الدكتور لا يعترف العلم بوجود شيطان ولا جهنم. فقال الشيخ إذا كان العلم لا يعترف بوجودهما فذلك لأنه صحيح. قال هذا وقد أخذ مقعده من كرسيه وأطبق جفنيه وسطع في وجهه بريق الفرح ثم همس قليلاً بصوت يكاد لا يفهم قائلاً: نعم ليس في الوجود شيطان ولا جهنم العلم يعرف ذلك ومن أعرف من العلم بمثل هذه الأمور. ثم فتح عينيه وأخذ يحدق في الطبيب وإمارات الشك تقرأ في وجهه كأنه يريد أن يبحث في ذهنه عن أمر لا يعثر عليه وينتظر الطبيب أن يعينه عليه.
إلا أن الطبيب سكت وهو يتأمل في كريمور ويتلو في جبهته ما ينمُّ به قلبه الذي لا يكتم السر كالصبي. ثم ظهر كريمور مظهر من زال عنه همه وأخذ يد الطبيب وقال له: وماذا يقول العلم عن الحياة الثانية؟ فأجابه الطبيب العلم لا يستطيع أن يبين حقيقة العالم الثاني فإن هذه المسألة من المسائل الاعتقادية. ثم سأهل: وهل أنت يا دكتور تعتقد بالآخرة؟ كلا لا أعتقد. فقال المريض الظاهر أن ليس هناك آخرة إذ العلم لا يعترف بها ولا يثبتها. ثم ملكت على الشيخ كريمور مشاعره وسكت وأخذ يهز رأسه وفتح فاه وأغلقه ثم فتحه ثانية وأغلقه. وبدا على سحنته أن في قلبه سراً يريد أن يحل مشكلته وحاول الابتسام وإن منعته شفته المفلوجة منه فقال: من البلاهة بل غاية في البلاهة ما يذكرونه عن الجزاء بعد