مجله المقتبس (صفحة 1594)

ثم سكت وخفت مريم بالانصراف من غرفته فناداها قائلاً: أتعتقدين يا مريم أنني سأذهب إلى النار متى حل بي ريب المنون؟ فأجابته: أنت تروح إلى النار سامحك الله على مثل هذا الفكر أما أنا فلا أعتقد بأنه يخشى عليك من النار. ولما سمع ذلك أجابها: نعم لن أذهب إلى النار. ثم غاص في بحر السكوت من جديد وعاد فقال لخادمته: هل عملت شراً وارتكبت كبيرة أعاقب عليها؟ فقالت له: كلا إنك كنت سليم الصدر أبداً وما قط أسأت إلى إنسان وعلى العكس فإن كثيرين قد أساءوا إليك فنهبوا منك مالك وخدعوك بكل حيلة من أحاييلهم. فأجباها بقوله: نعم إن الناس أساءوا لي. أساءوا لي هؤلاء الملاعين. ثم استولى السكوت عليه وقال بعد لحظة: أتظنين أن من خدعوني يروحون إلى جهنم. فقالت له: إذا نجا أحدهم من النار فيكون في نجاته وجه الغرابة. فأجابها: إن المسألة ظاهرة وسينتقم المولى لي منهم إذ يرى أنني عاجز عن الانتقام بنفسي لنفسي وإلا لما كان ثمت عدل. فنهضت مريم ورتبت وسادتي كريمور ووضعتهما وضعاً حسناً تحت إبطيه ليتمكن من الجلوس وتسريح النظر في الغرفة وبعد ذلك انصرفت لتنام وأطبق كريمور جفنيه ولم يعد يتحرك حتى ظنته قد رقد. إلا أنه لم يلبث هنيهة أن فتح جفنيه وأخذ منه الهلع وهو يحدق في زاوية الشباك ويصرخ هناك في تلك الزاوية ضوء أنجدوني فقفزت مريم إلى الأرض وأسرعت فأوقدت المصباح فبدد النور غياهب الظلمة وصارت الغرفة كأنها في رابعة النهار. وكان العرق يكلل وجه كريمور ويحاول أن يمسحه وهو يفيض عليه وعيناه تشخصان إلى كل ناحية من أنحاء الغرفة ذات اليمين وذات الشمال وفي اعلاها وأسفلها وشعره الأبيض كالثلج مسترسل على جبهته وعيناه تنظران وتحدقان والهلع آخذ من قلبه مأخذه. فأخذ يسأل مريم قائلاً: يا مرين أتعتقدين أن هناك جهنم؟ فأجابته أن سؤالك عن النار أشبه بمن يسأل عن وجود الله تعالى. فقال لها: إذاً فأنت أيتها المجنونة المقدسة تروحين إليها والناس كذلك لا سبيل إلى النجاة منها. فلم يسع مريم إلا أن قالت له: لا تفكر في هذا ليس ثمت مسمى لهذا الاسم (جهنم). فأجابها نعم ليس ثمت جهنم. والتفت كريمور إلى الحائط وأطبق جفنيه وقال لها: تسهرين هنا طوال الليل ولا تطفئين المصباح بل اتركيه موقداً يسطع بنوره. قال هذا وهو ينظر إلى السقف ثم تقلب وعندما رأى مريم قد جلست بالقرب من سريره وأنها أضاءت المصباح وأوقدت مصباحاً آخر بدا عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015