على ان الدكتور توردور قد استولى في الحال على عقله وكلما كان يزوره يتهلل وجه الشيخ كريمور بشراً وطلاقة. فكان الناقه ينتظره وهو جالس على كرسيه الكبير طول النهار ساكتاً لا يتكلم كالحجر الأصم وكانت الضربة قد أصبته في جانب فمه فأفلجته فلم يعد يتكلم إلا ببطء شديد ولا يلفظ في الأحايين إلا بعض مقاطع من الحروف كثيراًُ ما تكون مبهمة لا تفهم.
أشار كريمور ذات يوم بعد أن انصرف الطبيب من غرفته إلى خادمته مريم أن تقترب منه وسألها أن تقرأ له شيئاً فأخذت من صندوقها التوراة وكانت الكتاب الوحيد الذي احتفظت به طول حياتها ففتحت باب رؤيا القديس يوحنا الإنجليلي وقرأت الآيات التي ورد فيها ذكر تعذيب من يعذبون في النار والكبريت لا تنالهم الراحة ليلاً ولا نهاراً.
فقاطعها كريمور والغضب آخذ منها قائلاً: ما أنحس هذا النبي يوحنا يتكلم عن هذه النار وهذا الكبريت اللذين ليس لهما أساس. وحدق بها بعينيه اللتين كانت تبرقان بشرر الغضب فذعرت منه حتى ارتجفت كلها وعادت فأخذت بيدها الجورب الذي كانت تحيكه قبل أن تشرع في القراءة له. أما كريمور فلم يرفع نظره منها وظل ساكتاً لا يتكلم وأخذ وجهه يتغضن أبشع تغضن من هنيهة إلى أخرى ويحرك ذراعيه وكأنه يريد طرد أحداً يهدده بالقبض عليه. . وكانت غرفة الخادمة متصلة بغرفة سيدها فذهبت إليها عندما رأته قد نام إلا أن النوم لم يجئه في تلك الليلة ولم يتمكن من إغماض جفنيه وترك نظره يسرح وهو في قلق يبدو عليه في غرفته وأخذ من وقت إلى آخر يتنهد ويلفظ كلمات متقطعة.
وكان بالقرب من سرير كريمور منضدة صغيرة يضيء عليها مصباح في الليل منذ وقع مريضاً ومن عادة مريم أن تنزل الفتيل للاقتصاد من الزيت وهكذا رسمت ظلالاً مشوشة على الحائط. وفي تلك الليلة أراد كريمور مخالفة عادته في ترك الفتيل صغيراً بحيث لا ينطفئ فقد وأراد أن يكون يكبره ليكون ضوءه كثيراً لأن الظلام كان يخيفه.
فظنت مريم أن الشيخ راقد وأخذت تسير نحو غرفته سيراً لطيفاً فلما سمع وقع قدمها صاح والذعر آخذ منه: مريم مريم. فأجابته فقال لها أتظنين بأن الموت سيأخذني؟ فقالت له: إن الموت بعيد عنك لأن صحتك تحسنت كثيراً عن ذي قبل وعما قريب ستشفى كل الشفاء فأجابها بقوله: نعم صحتي أحسن وقريباً اشفى ولا أموت.