مريم أنها كانت تحسن الانتفاع بكل شيء وما قط طرحت بقية من بقايا اللحم ولذلك كانت تستنشق في غرفة كريمور التي يقف فيها عندما يترك مراقبة المستخدمين روائح كريهة منبعثة من تلك اللحوم المدخرة.
عرفت مريم كيف تحسن معاملة زوجها وتستولي على عقله كما تحسن معاملة الناس وتخدعهم وكان صوتها رقيقاً تتلطف مع الزبن وتلاطف الأولاد وتوهم كل من يكلمها لتتوسط له أمام كريمور أنها مساعدته فيما يريد وأنها مبرأة من كل غاية إلا من النفع العام على أنه لم يحدث من أثر هذه الغيرة كلها ما يعود على محل التاجر بالفلاح وأخذ الانحطاط يزادا في أشغاله يوماً فيوماً على ما تبذله هذه الخادمة من وسائط نجاحه.
وكان لكريمور في غرفة مجاورة للغرفة التي ينام فيها خزانة من شجر الكابلي جعلها صندوقاً لوضع ماله ولما كانت أعماله سائرة على قدم لنجاح كنت ترى جرار الزانة طافحة بالنقود الذهبية والفضية وفي وسطها أكياساً ملأى فأخذت هذه الأكياس تنقص شيئاً فشيئاً منذ انحطت تجارته حتى لم يبق واحداً منها بل قل ما كان في الجرار من النقود وفرغ كثير منها بتة.
(3)
حدث ذات يوم من أيام الخريف بعد أن عادت القطعان من المراعي أن منافسي كريمور في تجارته باعوا من فلاحي آييري كثيراً من البضائع أتتهم بأرباح وفيرة ولما نمي الخبر إليه انزعج انزعاجاً شديداً وأصابته سكتة دماغية فوقع في مخزنه لا حراك فيه فنقل إلى غرفته وأضجعوه في سريره واستدعوا الطبيب. وكان هذا شاباً لم تمض بعد سنوات قليلة على نيله الشهادة سكن في تلك البلدة حديثاً. فخف لفحص المريض فرآه غائباً عن رشده فقضى الليل كله بالقرب من سريره وهو يمرضه ولما طلع النهار رجع إلى الشيخ كريمور صوابه.
ودام دور نقاهته طويلاً وأنشأ كريمور يسير على رجليه قليلاً حتى استطاع أن يطوف محله زاحفاً وكان الطبيب يعنى بصحته كثيراً. وكان هذا الطبيب قد حاز ثقة الجمهور لا لحذقه بل أنه اشتهر بالنضج.
وما مكان للشيخ كريمور اعتقدا كبير في الطب لأن صحته القوة قد أعفته من اتلالتجاء إليه