مجله المقتبس (صفحة 1591)

وأصبح في الحور بعد الكور وفي الخسران بعد الربح حتى لم يعد يرض أحد من الفلاحين أن يعامله مخافة أن يعود ثانية فينشب فيه مخالبه ولكن كريمور بذل جهده في مقاومة سوء البخت فكان يدفع كل سنة من ماله عجزاً كبيراً.

وكان من هذا الجهاد أن قل ماله بالتدريج وكل ما يصرفه من ثروته على هذه الصورة كان في الحقيقة من لحمه ودمه فاستولى الضعف على قواه الطبيعية وحل الوهن محل القوة التي كانت عضده في شؤونه خلال خمسين سنة وأقام عنه وكيلين لإدارة أعماله ولم يكن منهما إلا أن زادا الطين بلة وأخذا بسوء سلوكهما يبعدان الفلاحين عن معاملة المحل كما كانوا من قبل وكانا يصرفان معظم النهار في ملاطفة صاحب المحل ليحلا من قلبه مكاناً يتذرعان به إلى نيل مآربهما منه ومن ماله فيحتالان على مدح جميع أعماله ليحرزا ثقته ولم يكن إلى ذلك العهد قد وضعها في إنسان وما اقتربا منه إلا ودعواه بيا صديقي العزيز ويقال أنهما كانا يسرقان من الصندوق أكثر مما يضعان فيه من الدراهم.

وبعد ذلك وفق كريمور إلى الظفر بخادمة على هواه تتولى أمور بيته اسمها مريم جاوزت الخمسين من سنها وتمرنت في خدمة البيوت ومعاناة الرجال وكان ما يرضيه من طبعها في الأكثر هو أنها تمقت كل المقت ما كان يسميه بالنظافة والنظام اللذين لا فائدة منهما فلا تمسح أرض الدار إلا في الأعياد الكبرى ولا تكنس الغرف إلا صبح الأحد ولا تعنى بزينتها إلا إذا بقي لها وقت فكانت (فرشات) الثياب يطول عمرها معها لأنها قلما تستعملها في نفض الثياب. تخف أبداً إلى الاقتراب من ذاك الشيخ وتطيعه لأول كلمة يفوه بها وتقص عليه ما يجري في الدار والمخزن والمدينة وما يقال فيها وما لم يقل وتنسب سوء القصد لكل من كان لكريمور بعض الثقة فيه وتزيف أقوالهم وتوردها في قالب لا يفهم منه لا عكس ما يراد منها ثم تعرض عليه بأن الناس كلهم يسرقونه إذا لم يعهد إليها بأن تراقبهم.

فوقع كلامها من قلب الشيخ موقع التصديق حتى زادت ثقته بالناس ضعفاً واقتنع بأنه محفوف بفئة لا غاية لها إلا أن تنهب ماله حاشا مريم فإنها الوحيدة التي ما عراه شك في أمانتها ولم تكن مريم تسرق مالاً بل توفر من جميع النفقات ولاسيما من الطعام وخصوصاً طعام المستخدمين فبدخولها بيت التاجر دخله الجوع. ومن المميزات التي اختصت بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015