مجله المقتبس (صفحة 141)

والمسافات وقد دفع بظواهر الحركة الاجتماعية إلى الرُّقيّ فلم تتزايد طرق المواصلات فقط بل اختصرت بحيث استحالت الساعات دقائق والأيام ساعات والشهور أياماً والسنون شهوراً. فقوى الحركة الحية التي لا تنضب قد سهلت الصلات بقصر المسافات في لمحة بين أقطار المسكونة التي تتبادل للحال نتائج نجاحها وأفكارها وأعمالها. ثم رأى المرء نفسه في حاجة تضطره إلى أن يقوم على الصناعات والعلوم بدون وناء وأن يستخدم قواه العقلية بأسرها ويوجهها نحو خصومه في البلاد الأخرى إذ ليست المسابقة مقصورة على شعب واحد ولا على بلد واحد بل قد امتدت شرارتها في أطراف الأرض واتصلت بأمم الكرة الأرضية كلها وخصوصاً بين من توفرت فيهم شروط الإنتاج والعمل. ومع هذا فلم يقف عقل الإنسان عند حد اختراع السلك البرقي والآلات البخارية بل قد تعداهما إلى خرق الأنفاق في الجبال العظيمة وحفر الترع في القفار والأصقاع المستنقعة حبَّ تسهيل الصلات بين أنحاء الأرض المختلفة وتنشيطاً لمقايضة غلات الأرض وثمرات العمل والذكاء.

ومن نتائج المواصلات السريعة العديدة بين الأرجاء الكثيرة والبلاد الشاسعة والأجناس المختلفة الطباع واللغات انتشار أفكار التمدن الحديث بين جمهور الناس والتسامح مع الآراء المتضادة. ثم أن الحاجة مست في تعليم الطبقة النازلة من الناس وتلقينهم احترام الإنسانية والبلوغ بهم إلى تكريم الوطني بتعليمهم حقوقهم وواجباتهم.

ومما تم في هذا القرن الجليل إعطاء المرأة حقوقها وتحريرها من رق العبودية التي رسفت في قيودها من قبل قروناً متطاولة فقد أنالها حقوقاً ساوت بها حقوق الرجل فصارت بذلك جديرة أن تربي أولادها وتلقنهم حب العمل وتطبعهم على بغض الرذيلة لإصلاح ما اختل من أحوال المجتمع البشري. ولم تكن حال النسوة في عصر من الأعصار مشابهة لحالهن اليوم فقد نلن بفضل القوانين المسنونة حظاً من العلم والأدب تشتد به سواعدهن في التغلب على مشاق الحياة. وقد عنيت معظم حكومات أوربا بإنشاء مدارس عالية وابتدائية لتعليم الفتيات العلم وتلقينهن أساليب العمل وإذا صحت عزائم الأفراد على اتباع سيرة الحكومات ومضافرتها في هذا السبيل من إنشاء المدارس للبنات ترتقي آداب المجتمع الإنساني ويحيى نظام العالم حياة طيبة رغيدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015