يوم واحد وربما في ساعات معدودة وكان في غنى عن تسليمها لأصحاب الحمامات في الإسكندرية ولأهل هذا الثغر وكلهم من الروم يحرقونها كما يحب ويرضى بما تلهمهم إليه معرفتهم. نعم كان ابن العاص يحذو حذو مسيحيي إسبانيا لما استولوا على قرطبة وأحرقوا في يوم زهاء مليون مجلد من مصنفات علماء المسلمين وكانت في عدة مكاتب على ما روى المؤرخ دياردو.
ومن البلاهة والحماقة أن يصدق أن عمر يختار هذه الطريقة في إبادة الكتب ويدفعها إلى أرباب الحمامات في الإسكندرية وينقطع عن وظيفة الجهاد المقدسة مع رجاله من المسلمين وعددهم لا يتجاوز أربعة آلاف رجل حين استيلائه على مصر لينقطعوا إلى إحراق كتب دونت بلغة أعجمية ويصرف في ذلك خمسة أشهر أو ستة في قمامين الحمامات مما لا يقبله العقل ولا يوافق الحكمة. وأنى لأرباب الحمامات في الإسكندرية وهم من بني الروم أن يحتفظوا بهذه الكتب ويحرقوها في غياب المسلمين حصباً لحماماتهم فاحر عند ذاك أن ينحي باللائمة على الروم لا على المسلمين باختلاق فئة من الجهال وخصوصاً بعض أصحاب الأغراض.
نقض الكاتب التركي ما أتى به بعض أرباب الأهواء وزيفه بالبرهان السديد ثم نقل ما قاله رئيس مدرسة آثينة الكلية في تاريخه العام عند كلامه على الإسكندرية من أن هذه المكتبة حرقت لدن وصول قيصر إلى مصر وأن ما بقي من الكتب تلف قبل استيلاء المسلمين على الإسكندرية بزمن طويل وأن ما يحكى من أن عمرو بن العاص حرقها إن هي إلا فقرة مدخلة بعد هذا. وقد عرب ما تقدم حباً بإظهار حقيقة طال البحث فيها وتعارضت الآراء بأمرها والحقيقة ضالة كل باحث ومستفيد.