وقد صرح جيبون في تاريخه على سقوط دولة الرومان بأن نسبة الحريق لعمر أو لعمرو أكذوبة لفقها أبو الفرج رئيس أساقفة حلب على طائفة اليعاقبة إحدى الطوائف المسيحية بعد مضي نحو ستمائة سنة من الهجرة في تاريخ له ألفه بالعربية ولما نقل ما كتبه إلى اللاتينية انتشرت هذه الأغلوطة في أوربا. ومما قاله أبو الفرج أن عمر بن الخطاب أصدر أمره إلى عمرو بن العاص بإحراق هذه الكتب اكتفاء بما في القرآن من العلم وادعى أن هذه الكتب وزعت على أربعة آلاف حمام في الإسكندرية فظلت المواقد تحرقها حصباً ووقوداً ستة أشهر لا تحتاج إلى غير لهيب تلك الكتب لإحماء الماء.
قال جيبون: لا يخفى على أهل البصر أن مكتبة الإسكندرية احترقت قبل الميلاد وما زعمه رئيس أساقفة حلب من أن المسلمين أحرقوها لم يتعرض له مؤرخ واحد ممن ظهروا قبل أبي الفرج حتى أن افتيكيوس بطريرك الإسكندرية عند توسعه في الكلام على استيلاء المسلمين على الإسكندرية لم يذكر كلمة عن حرق عمرو بن العاص لهذه المكتبة. وبهذا علم أن هذه أسطورة ملفقة بالكذب المحض.
على أن الإسكندرية كانت من القديم مقر البطاركة ومنبعث المجادلات المعلومة التي حدثت في مسألة الألوهية. فلو صح أنه كان في هذه المدينة مكتبة كما زعم أبو الفرج حين فتحها واحترقت بأمر عمرو بن العاص لاستخدمت تلك المجلدات الضخمة التي ملئت بمباحث تلك المسألة المذكورة ومقالات المناقشين فيها في غير إحماء ماء الحمامات. وهب أن العرب أحرقوا تلك المجلدات فقد أزالوا كثيراً من الأفكار الباطلة التي ألف الناس الاشتغال بها عبثاً وخدموا عالم الإنسان خدمة عظيمة.
قال المؤرخ التركي بعد أن أورد هذه الجملة عن المؤرخ جيبون: من البديهي أن ما افترض المؤرخ الموما إليه وقوعه وما زعمه رئيس الأساقفة المذكور من حريق عمرو بن العاص لمكتبة الإسكندرية التي ملئت بالمجلدات الضخمة في مباحث الألوهية أو مؤلفات الحكماء المتقدمين على فرض وقوعه فليس من العقل ولا من الحكمة ما روي في كيفية حريقها. وغير نكير أن هذه فقرة وضعت بعد لمآرب وغايات.
ولو كانت عقدت النية على إحراق هذه الكتب كما ادعى رئيس الأساقفة لمطابقتها للقرآن العظيم أو لمباينتها له لاقتدر عمرو بن العاص أن يبيد هذه الكتب بحضرته جملة واحدة في