المدرسة التي كان يدرس فيها ديوجنس وهرمياس واتاليوس وبرسيان وداماسقوس وايسيدور وغيرهم من الفلاسفة لأنهم لم يرجعوا عن اعتقاد القدماء وينتحلوا النصرانية حتى اضطروا فراراً بأنفسهم عن مواطن الهلكة أن يرحلوا إلى فارس ولما أرادوا الرجوع إلى بلادهم توسط في أمرهم انوشروان ملك الفرس ومن الشروط التي عقدها مع قيصر اليونان أن لا يمس هؤلاء الفلاسفة بسوء وأن يكونوا أحراراً في اعتقادهم على أن مدرستهم عطلت وخربت مع غيرها من مدارس آثينة.
علم بهذا أنه كان للإمبراطورين تيودوس وجوستنيانوس يد طولى في إتلاف آثار أهل العلم ومصانعهم قديمها وحديثها رجاء بث دعوة النصرانية فدثرت المدنية التي قامت بحسنات الأجيال السالفة والأمم الغابرة وذلك بأعمال هذين العاهلين وبما أبداه الرهبان والرومان من ضروب العدوان.
ثم أفاض المؤلف في حملة أهل البندقية والفرنجة على القسطنطينية سنة 1202م وحرقهم لها ثلاث مرات بحيث دثر ثلثاها وأحرقت أعلاق الكتب التي جمعت فيها منذ نحو تسعمائة سنة ولما استولى هؤلاء الفاتحون على هذه العاصمة تفرقوا في أطرافها وأنشأوا يسلبون كل ما تطول إليه أيديهم من أموال الناس وعروضهم إلى آخر ما قاموا به من العيث في الكنائس والبيع التي أنقذت من لسان اللهيب وعبثوا بحليها وجواهرها وخصوصاً كنيسة أيا صوفية المشهورة فقد أخذوا كل ما أتحفها به الملوك والأغنياء من الجواهر والحلي والنفائس باعوا بعضه بيع السماح وأتلفوا الآخر كأنه لا قيمة له إلى نظائر ذلك مما قاموا به من الأعمال الوحشية التي فصلها حق التفصيل المؤرخ نيكيتاس أحد رجال دولة الروم.
واستفاض المؤلف فيما آل إليه أمر مكتبة الإسكندرية من الحريق بقضاء الله وقدره سنة 47ق. م وخرابها للمرة الثانية بحملات رئيس الأساقفة الإسكندري وجماعته عمداً قبل الهجرة بمائتي سنة وإحراق ما جمع في زهاء تسعمائة سنة منذ جعلت القسطنطينية عاصمة لدولة الرومان إلى استيلاء اللاتين عليها بداعي ما حدث فيها من الفتن بين الروم واللاتين. وإن ما أنقذ من هذه الحرائق من الكتب أتى عليه اللاتين بجهلهم واستهزائهم بالمعارف وأهلها حتى أن مصر لما فتحها المسلمون لم يبق لمكتبة الإسكندرية فيها عين ولا أثر ولما فتحت الأستانة أيضاً لم يكن فيها عاديات ولا أعلاق بتاتاً.