مؤونتهم في تقويمهم وأن تتوخى إرشادهم وإن جهلوا فضل ما يسدى إليهم فلن يصأن العلم بمثل بذله ولن تستبقى النعمة فيه بمثل نشره على أن قراءة الكتب ابلغ في إرشادهم من تلاقيهم اذكان مع التلاقي يشتد التصنع ويكثر التظالم وتفرط العصبية وتقوى الحمية والأنفة من الخضوع وعن جميع ذلك تحدث الضغائن ويظهر التباين وإذا كأنت القلوب على هذه الصفة وعلى هذه الهيئة امتنعت من التعرف وعميت عن مواضع الدلالة وليست في الكتب علة تمنع من درك البغية وأصابة الحجة لأن المتوحد يدرسها والمتفرد يفهم معانيها لا يباهي نفسه ولا يغالب عقله وقد عدم من له يباهي ومن اجله يغالب.
والكتاب قد يفضل صاحبه ويتقدم مؤلفه ويرجح قلمه على لسانه بأمورمنها أن الكتاب يقرأ بكل مكان ويظهر ما فيه على كل لسان ويوجد مع كل زمان على تفاوت ما بين الاعصار وتباعد ما بين الأمصار وذلك أمر مستحيل في واضع الكتاب والمتنازع في المسألة والجواب. ومنأقلة اللسان وهدايته لا تجوز أن مجلس صاحبه ومبلغ صوته وقد يذهب الحكيم وتبقى كتبه ويذهب العقل ويبقى أثره ولولا ما اودعت لنا الأوائل في كتبها وخلدت من عجيب حكمتها ودونت من أنواع سيرها حتى شاهدنا بها ما غاب عنا وفتحنا بها كل مستغلق كان علينا فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم وأدركنا مالم نكن ندركه الا بهم لما حسن حظنا من الحكمة ولضعف سببنا إلى معرفة ولو لجأنا إلى قدر قوتنا ومبلغ خواطرنا ومنتهى تجاربنا لما تدركه حواسنا وتشاهده نفوسنا لقلت المعرفة وسقطت الهمة وارتفعت العزيمة وعاد الرأي عقيما والخاطر فاسدا ولكل الحد وتبلد. وأكثر من كتبهم نفعا وأشرف منها خطرا وأحسن موقعا كتب الله تعالى التي فيها الهدى والرحمة والأخبار عن كل حكمة وتعريف كل سيئة وحسنة ومازالت كتب الله تعالى في الالواح والصحف والمحار والمصاحف وقال الله عز وجل: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) وقال: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ويقال لأهل التوارة والانجيل أهل الكتاب. وينبغي أن يكون سبيلنا لمن بعدنا كسبيل من كان قبلنا فينا على أنا قد وجدنا من العبرة أكثر مما وجدوا كما أن من بعدنا يجد من العبرة أكثر مما وجدنا فما ينتظر العالم بإظهار ما عنده وما يمنع الناصر للحق من القيام بما يلزمه وقد امكن القول وصلح الدهر وخوى نجم التقليد وهبت ريح العلماء وكسد العي والجهل وقامت سوق البيان والعلم وليس يجد الإنسأن في كل حين إنسانا ومقوما يثقفه