مجله المقتبس (صفحة 1293)

من واعقل. وقال ابو عمرو بن العلاء: قيل لنا يوما أن في دار فلان ناسا قد اجتمعوا على سوءة وهم جلوس على خيرة لهم وعندهم طنبور فتسورنا عليهم في جماعة من رجال الحي فإذا فتى جالس في وسط الدار أصحابه حوله وإذا هم بيض اللحى وإذا هو يقرأ عليهم دفترا فيه شعر فقال الذي سعى بهم: السوءة في ذلك البيت واندخلتموه عثرتم عليها فقلت: والله لا اكشف فتى أصحابه شيوخ وفي يده دفتر علم ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريا وأنشد رجل يونس النحوي

استودع العلم قرطاساً فضيعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس

قال فقال يونس: قاتله الله ما أشد ضنانته بالعلم وأحسن صيانته له أن علمك من روحك ومالك من بدنك فضعه منك بمكان الروح وضع مالك بمكان البدن. وقيل لابن داحة واخرج كتاب أبي الشمقمق وإذا هو في جلود كوفية دفتين طائفتين بخط عجيب فقيل له: لقد اضيع من تجود بشعر أبي الشمقمق فقال: لاجرم والله أن العلم ليعطيكم على حساب ما تعطونه ولو استطعت أن اودعه سويداء قلبي او اجعله محفوظا على ناظري لفعلت ولقد دخلت على اسحاق بن سليمأن في أمرته فرأيت السماطين والرجال مثولا كان على رؤوسهم الطير ورأيت فرشته وبزته ثم دخلت عليه وهو معزول وإذا هو في بيت كتبه وحوإليه الاسقاط والرقوق والقماطر والدفاتر والمساطر والمحابر فما رأيته قط افخم ولاانبل ولا اهيب ولا اجزل منه في ذلك اليوم لأنهجمع مع المهابة المحبة ومع الفخامة الحلاوة ومع السؤدد الحكمة. وقال بعضهم: كتب الحكماء وما دونت العلماء من صنوف البلاغات والصناعات والاداب والارفاق من القرون الوسطى والأمم الخالية ومن له بقية ابقى ذكرا وأرفع قدرا وأكثر ردءا لأن الحكمة انفع لمن ورثها من جهة الانتفاع بها وأحسن في الأحدوثة لمن احب الذكر الجميل والكتب بذلك أولى من بنيان الحجارة وحيطان المدر لأن من شأن الملوك أن يطمسوا على أثار من قبلهم وأن يميتوا ذكر أعدائهم فقد هدموا بذلك السبب المدن وأكثر الحصون كذلك كانوا أيام العجم وأيام الجاهلية وعلى ذلك في أيام الإسلام كما هدم عثمان صومعة غمدان وكما هدم الآطام التي كانت بالمدينة وكما هدم زياد كل قصر ومصنع كان لابن عأمر وكما هدم أصحابنا بناء مدن الشامات لبني مروان.

إن من شكر النعمة في معرفة مغاوي الناس ومراشدهم ومضارهم ومنافعهم أن تحتمل ثقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015