مجله المقتبس (صفحة 1295)

والصبر على افهام الريض شديد وصرف النفس عن مغالبة العالم أشد منه. والمتعلم يجد في كل مكان الكتاب عتيدا وبما يحتاج إليه قائما وما أكثر من فرط في التعليم أيام خمول ذكره وأيام حداثة سنه.

ولولا جياد الكتب وحسنها ومبينها ومختصرها لما تحركت همم هؤلاء لطلب العلم ونزعت إلى حب الأدب وانفت من حال الجهل وإن تكون في غمار الحشو ولدخل على هؤلاء من الخلل والمضرة من الجهل وسوء الحال ما عسى أن لا يمكن الأخبار عن مقداره الا بالكلام الكثير ولذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا. وقد نجد الرجل بطلب الأثار وتأويل القرآن ويجالس الفقهاء خمسين عاماً وهو لا يعد فقيها ولا يجعل قاضيا فما هو إلا أن ينظر في كتب أبي حينفة وأشباه أبي حنيفة ويجفظ كتب الشروط في مقدار سنة او سنتين حتى تمر ببابه فتظن أنه من بعض العمال وبالحري أن لا يمر عليه من الأيام الا اليسير حتى يصير حاكما على مصر من الأمصار او بلد من البلدان. قال ابن بشير في صفة الكتب في كلمة له.

اقبلت اهرب لا آلو مباعدة ... في الأرض منهم فلم يحصني الهرب

فقصروا اوس فما والت خنادقه ... ولا النواويس فالماخور فالحرب

فايما موئل منها اعتصمت به ... فمن ورائي حثيثاً منهم الطلب

لما رأيت باني لست معجزهم ... فوتا ولا هربا قربت احتجب

فسرت في البيت مسروراً به جذلا ... جاراً لبوأة لا شكوى ولا شغب

فرداً يحدثني الموتى وتنطق لي ... عن علم ما غاب عني منهم الكتب

هم مؤنسون وألاف غنيت بهم ... فليس لي في انيس غيرهم ارب

لله من جلساء لا جليسهمو ... ولا عشيرهمو للسوء مرتقب

لا بادرات الاذى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطق ذرب

ابقوا لنا حكماً تبقى منافعها ... أخرى الليالي على الأيام والشعب

فايما آداب منهم مددت يدي ... إليه فهو قريب من يدي كثيب

ان شئت من محكم الأثار يرفعها ... إلى النبي ثقات خيرة نجب

او شئت من عرب علما بأولهم ... في الجاهلية انبتني بها العرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015