على غاية في ذلك ولا تصل إلى نهاية كما قال أبو تمام في هذا المعنى * إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب * وقد بينت فضلها وما فيها من الاختصار في العبارة عن المعاني وذكرت وجه التفصيل عليه موضع الاختصار مما لا شبهة فيه. فأما السعة فالأمر فيها أيضاً واضح لأن الناظم والنأثر إذا حظر عليه موضع إيراد لفظة وكأنت اللغة التي ينسج منها ذات ألفاظ كثيرة تقع موقع تلك اللفظة في المعنى أخذ الأسماء للمسمى الواحد وتلك فائدة حأصلة بلا خاف على أنه ربما عرض في وضع الأسماء المشتركة فائدة في بعض المواضع فلم تجعل اللغة العربية خالية منه بل فيها أسماء مشتركة كقولهم عين وما أشبهها. وها هنا لها فضيلة أخرى وهي أن الواضع لها أن كانت مواضعه تجنب في الأكثر كل ما يثقل على الناطق تكلفة والتلفظ به كالجمع بين الحروف المتقاربة في المخارج وما أشبه ذلك واعتمد مثل هذا في الحركات أيضاً فلم يأت إلا بالسهل الممكن دون غيرها من اللغات من اللغات كذلك كلغة الأرمن الزنج وغيرهم.
ومما يدل على فضل اللغة العربية وتقدمها على جميع اللغات أن أربابها وأصحابها وهم العرب الذين لا أمة من الأمم تنازعهم فضائلهم ولا تباريهم في مناقبهم ومحاسنهم وأن كانوا تواضعوا على هذه اللغة فلم تكن تنتج أذهانهم الصقيلة وخواطرهم العجيبة إلا شيئاً خليقاً بالشرف وأمراً جديراً بالتقدم وإن كان توفيقاً من الله تعالى ومنة بها عليهم وقال ابن حزم: لا ننكر اصطلاح الناس على إحداث لغات شتى بعد أن كانت لغة واحدة وقفوا عليها بها علموا الأشياء وكيفيتها وحدودها ولا ندري أي لغة هي التي وقف آدم عليه السلام عليها أولاً إلا أننا نقطع على أنها أتم اللغات كلها وأبينها عبارة وأقلها أشكالا وأشدها اختصاراً وأكثرها وقوع أسماء مختلفة المسميات كلها المختلفة من كل التأكيد يرفع الأشكال ويقطع السغب فيما قلناه وقد قلناه وقد قال قوم السريانية وقال قوم هي العبرانية وقال قوم هي العربية والله أعلم إلا أن الذي وفقنا عليه وعلمناه يقيناً أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر وربيعة وليست لغة حمير لغة واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي ومن الخراساني إذا رام نغمتها ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي ليلة واحدة من قرطبة كاد أن يقول أنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة وهكذا في