كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة لأخرى يتبدل لغتها لا يخفى على من تأمله ونحن نجد الكلمة كلغة أخرى ولا فرق فتجدهم يقولون في العنب الغنيب وفي السوط أسطوط وفي ثلاثة دنانير ثلثدا وإذا تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال السجرة وإذا تعرب الجليقي أبدل من العين والحاء هاءً فيقول مهمد إذا أراد أن يقول محمد ومثل هذا كثير فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلاف البلدان إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبدل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل وإذ تيقنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معاً والمستفيض أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل عليه السلام فهي لغة ولده والعبرانية لغة اسحق ولغة ولده والسريانية بلا شك هي لغة إبرأهيمصلى الله عليه وسلم بنقل الاستفاضة الموجب نصحة العلم والسريانية أصل لهما وقد قال قوم أن اليونانية أبسط اللغات ولعل هذا أنما هو الأن فإن اللغة يسقط أكثرها وتبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم وأما من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم واستغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمون منهم موت الخواطر وربما كان سبباً لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيود علومهم هذا موجود بالمشاهدة ومعلوم ضرورة ولدولة السريانيين مذ ذهبت وبادت آلاف من الأعوام في أقل منها ينسى فكيف تفلت أكثرها والله أعلم.