مجله المقتبس (صفحة 1005)

من قولهم سمعت لواغي إذا أولعت به وأغريت به وقيل بل هي مشتقة من اللغو وهو النطق ومنه فعله (إلى أن يقول في فضيلة اللغة العربية ومزتها): فأما ما نحن بصدده من ذكر اللغة العربية فلا خفاء بميزتها على جميع اللغات وفضلها أما السعة فالأمر فيها واضح. ومن تتبع جميع اللغات لم يجد فيها لغة تضاهي اللغة العربية في كثرة الأسماء المسمى الواحد على أن اللغة الرومية بالضد فإن الاسم الواحد وجد فيها للمسميات المختلفة كثيراً وقد كان بعض اللغو بين في إيصال المعاني في النقل إليها يبين ذلك أنه ليس كلام ينقل إلى اللغة العرب ألا ويجئ الثاني أخصر من الأول مع سلامة المعاني وبقائها على حالها وهذه بلا شك فضيلة مشهورة وميزة كبيرة لأن الغرض في الكلام ووضع اللغات بيأن المعاني وكشفها وإذا كانت لغة تفصح عن المقصود مع الاختصار والاقتصار فهي أولى بالاستعمال وأفضل مما يحتاج فيه إلى الإسهاب والأطالة. وقد خبرني أبو داود المطران وهو عارف باللغتين العربية والسريانية أنه إذا نقل الألفاظ الحسنة إلى السرياني فبحث وإذا نقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي ازداد طلاوة وحسناً وهذا الذي ذكره صحيح يخبر به أهل كل لغة عن لغتهم مع العربية. وقد حكي أن بعض ملوك الروم وأظنه تيفور سأل عن شعور المتنبي فأنشد له

كان العيش كانت فوق جفني ... مناخات فلما ثرن سالا

وفسر له بالرومية فلم يعجبه وقال كلاماً معناه ما أكذب هذا الرجل كيف يمكن أن يكون جمل على أعين إنسان. وما أحسب أن العلة فيما ذكرته غير النقل إلى اللغة العربية ومنها وتباين ذلك إلا أن لغتنا فيها من الاستعارات والألفاظ الحسنة الموضوعة ما ليس مثله في غيرها من اللغات فإذا نقلت لم يجد النأقل ما يتوصل به إلى نقل تلك الألفاظ المستعارة بعينها وهي على هيئتها لتعذر مثلها في اللغة العربية التي ينقل إليها والمعاني لا تتغير فنقلها ممكن من تبديل وما كان ما ينقل من العربية فتغير حسنه لهذه العلة وما ينقل إليها يمكن الزيادة على طلاوته لأن نأقله يجد ما يعبر به في اللغة العربية أفضل مما يريد وأبلغ مما يحاول وهذا وجه يمكن ذكر مثله ويجب أن يتأمل وينظر فيه لأني لا أعرف لغة سوى العربية إنما ذهبت إليه ظناً وحدساً. وقد تصرف في هذه اللغة ما لم تصرف في غيرها من اللغات فلم توجد إلا طيعة عذبة في كل ما استعملت فيه نظماً ونثراً وهي إلى الأن لا تقف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015