المصرية أحالت إليها فيما مضى التركي والجركسي والكردي واليماني والحجازي والعراقي والشامي والمغربي والفارسي فأتى منهم مقامهم قليلاً في هذا الوادي مصريون يغارون على مصلحة مصر وكثير منهم نفعوها وخدموها وأيديهم أكثر من ذلك خدمة أبنائها لها تحت اسم مصريين.
وما قط كانت لها بقعة من بقاع الأرض معلومة الحدود والمساحة وفقاً على جنس خاص من البشر لا ينازعها فيه منازع تسرح وتمرح فيها ما شاءت. فالأرض أرض الله والناس عباد الله وما أحلى بيت البحتري في هذا المعنى
ولا تقل أمم شتى ولا فرق ... فلأرض من ترابه والناس من رجل
وكل من نظر في نهوض الأمم لا يعتم أن يرى بأن كل أمة ربيت على كره غيرها وتجافت عن الاختلاط به وحسن الانتفاع منه وتجني من الخسارة أكثر من الربح. ولقد كانت بغداد من أكبر أمثلة التسامح في البلاد الإسلامية رفعت مقام الغريب وأحسنت الاستفادة منه فكان يعد بغدادياً كل من دخل بغداد. وتساوى في ذلك عجمها ودي لميها وعربيها وتركيها ونسطوريها وروميها ومجوسيها ومسلمها فجمع العدل من شملهم وآخت الراحة بينهم وعد سواء في النسبة إليها من نزلها اليوم منذ قرن وقد أعان على تكوين هذا المزج انتفاء الجنسية في الإسلام ورفق المسلمين بأهل ذمتهم ولولا ذلك ما قامت تلك الحضارة التي نسبت للمسلمين العرب مع أن أثرهم فيها أقل من أثر غيرهم من الأجناس والأديان. ولكن العمل مشترك وهو منسوب لقائدهم.
وأنا لا نزال نقول أن نقول أن من حظ مصر أن تكون البلاد المجاورة لها محتاجة حتى أشبهت فاس في القرون الوسطى لما تواتر عيث العرب على القيروان واضطربت قرطبة باختلاف بني أمية بعد موت محمد بن أبي عأمر وابنه فرحل من قرطبة ومن القيروان من كان فيها من العلماء والفضلاء من كل طبقة فنزل أكثرهم مدينة فاس قال صاحب المعجب في الثلث الأول من المئة السابعة أن فاس اليوم على غاية الحضارة وأهلها في الكيس ونهاية الظرف ولغتهم أفصح اللغات في ذلك في ذلك الأقليم وما زلت أسمع المشايخ يدعونها بغداد المغرب إليها ينسب وبحق ما قالوا ذلك وقال أن القيروان كانت منذ الفتح إلى أن خرابها الأعراب دار الخراب تفرق أهلها في كل وجه فمنهم من قصد مصر ومنهم