من قصد صقلية والأندلس وقصدت منهم طائفة عظيمة أقصى المغرب فنزلوا مدينة فاس.
قصدوا فاس كما قصد الأندلسيون بلاد مراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام لما تأذن الله بانقراض دولتهم فعدوا من أهلها بل أهلها بل كما رحل الإيطالي والألماني والإسباني والإنكليزي والفرنسي إلى أمريكا لما ضاقت سبل الرزق في وجوههم فعدوا أميركيين وانشأوا يخدمون أميركا أكثر من خدمتهم لبلادهم حتى إذا تناسلوا فيها جاء أولادهم أمريكيين صرفاً. وكلما ارتقت الأمم تطال إلى إدماج غيرها في مجموعها والأمم الإفرنجية اليوم أكثر تسامحا في هذا المعنى من الأمم الشرقية كما يظهر بالاستقراء.
قال ابن حزم الأندلسي: إن جميع المؤرخين من أمتنا السالفين والباقين دون محاشاة أحد بل قد تيقنا إجماعهم على ذلك متفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرية التي استقر بها ولم يرحل عنها رحيل ترك لسكانها إلى أن مات فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة صدروا بعلي وابن مسعود وحذيفة وإنما سكن علي الكوفة خمسة أعوام وأشهراً (قال ابن حجر صوابه أربعة أعوام) وقد بقي 58 عاماً وأشهراً بمكة والمدينة شرفها الله تعالى وكذلك أيضاً أكثر أعمار من ذكرنا وأن البصريين بدأ والعمران بن حصين وأنس ابن مالك وهشام بن عأمر وأبي بكرة وهؤلاء مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف وجمهرة أعمارهم خلت هنالك وأن ذكروا الشاميين نوهوا بعبادة بن الصامت وأبي الدر داء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية والأمر في هؤلاء كالأمر فيمن قبلهم وكذلك في المصريين عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة العدوى وفي المكيين عبد الله بن الزبير والحكم في هؤلاء كالحكم فيمن قصصنا فيمن هاجر إلينا من سائر البلاد فنحن أحق به وهو منا بحكم جميع أولي الأمر منا الذين إجماعهم فرض أتباعه وخلافه محرم اقترافه ومن هاجر منا إلى غبرنا فلاحظ لنا فيه والمكان الذي اختاره أسعد به.