ونقل عن القاضي عياض قوله: "يكره حلقها وقصها وتحذيفها.."، قال: "وأما الأخذ من طولها فحسن"وقال: "تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره قصها..وجزها.."وقال: "وكره مالك طولها جدا" [17] .

وسئل مالك عن اللحية إذا طالت جدا قال: "أرى أن يؤخذ منها ويقص" [18] .

وفي المذهب المالكي قولان في مقدار الأخذ: المعروف منهما: أنه لا حد للأخذ فيقتصر على ما تحسن به الهيئة، ومقابله: يأخذ ما يزيد على القبضة [19] .

تعليق عام على الآراء السابقة وأدلتها:

الناظر في الأدلة السابقة التي استندت إليه الطائفة الأولى: يرى أنها أقوى سندا وأصرح دلالة من أدلة الفريقين الأخيرين اللذين يريان جواز الأخذ من اللحية مع اختلافهما في المقدار الذي يجوز الأخذ عنده.

كما أن إرسال اللحية - إلى حد معلوم - يكسب المرء وقارا في مسته وثباتا في عواطفه، كما أن في اللحية عصمة للشباب والكهول إذ يصبح المرء ذا اللحية أكبر من سنه، وأجل مقاما من درجته، وأكثر احتراما بين أترابه.

ولكن ما يحتاج إلى تأمل هو: هل المعاني التي تدل على عليها ألفاظ الإعفاء والتوفير والإبقاء ونحوها من الألفاظ التي جاءت في أحاديث طلب اللحية: مرادة على إطلاقها، وبتعبير آخر: هل المطلوب من كل مسلم ترك الأخذ من لحيته مدى حياته إلا إذا ذهب مرة أو مرات إلى الحج؟ ومن يذهب إلى الحج قليل إلى مجموع المسلمين، فمعنى ذلك أن غالبية المسلمين يجب عليهم ترك لحاهم تطول إلى ما شاء الله.

ما يتبادر إلى فهمي - والله أعلم - أن التوفير أو الإعفاء المأمور به، مقيد بما إذا لم تطل اللحية طولا فاحشا بحيث يشوه سمت صاحبه ويجعله هدفا لأعين الناس وأضحوكة في أفواه السفهاء، أو بحيث تصير اللحية علامة مميزة له دون الناس لا يعرف إلا بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015