لذلك نرى أن فعل عمر رضي الله عنه مع الرجل الذي ترك لحيته تطول دون حد، ثم عدم إنكار الصحابة على عمر في هذا التصرف؛ دلالة على أن المعنى الذي تدل عليه هذه الألفاظ ليس على إطلاقه بل هو مقيد بما إذا لم يفحش، كما أن توفيرها إلى هذا الحد تتحقق فيه العلة التي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإعفاء اللحية لأجلها، وهي مخالفة أهل الكتاب والمشركين الذين يحلقون لحاهم أو يقصرونها، ونستبعد عدم وصول شيء من هذه الأحاديث إلى عمر كما نستبعد نسيانه لها.

من جهة أخرى فقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة، أنهما كانا يأخذان من لحيتهما ما يزيد على القبضة مع أنهما قد رويا أحاديث الأمر بالإعفاء مما يدل على أن الأمر ليس على إطلاقه.

قد يقال: إن الثابت عن ابن عمر: أنه كان يأخذ ما يزيد على قبضته في الحج أوالعمرة. نقول: فمن أين أخذ ابن عمر جواز الأخذ في النسك مع أن الأحاديث التي جاءت في الإعفاء مطلقة لم تستثن حالة النسك، والنسك قد نص فيه على الأخذ من شعر الرأس حلقا أو تقصيرا.

وعلى ذلك نقول: إن التحديد بالقبضة أو ما يقاربها زيادة أو نقصا، هو المعيار الذي ينبغي أن يصار إليه، مع عدم الإنكار على من يزيد على ذلك بشرط ألا يفحش وإلا أمر بالأخذ منها لأن هذا يتنافى مع الأمر بالزينة التي أمر الله الناس بالأخذ في أسبابها في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الآية [20] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015