وقد نقل بدر الدين العيني عن الإمام الطبري قوله: "فإن قُلْتَ: ما وجه قوله: "اعفوا اللحى"؛ وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله: "اعفوا اللحى"؛ فيتفاحش طولا وعرضا ويسمج حتى يصير للناس حديثا ومثلا.
ثم قال:
"قد ثبتت الحجة عن ر سول الله صلى الله عليه وسلم على خصوص هذا الخبر، وأن اللحية محظور إعفاءها وواجب قصها على اختلاف من السلف في مقدار ذلك وحدِّه. فقال بعضهم: حدُّ ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا وأن ينتشر عرضا فيقبح.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا ترك لحيته حتى كبرت فأخذ يجذبها ثم قال: "ائتوني بحلمتين ثم أمر رجلا فجز ما تحت يده"، ثم قال له: "اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع".
وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل وعن ابن عمر مثله" [14] .
وممن استحسن هذا الرأي: الشعبي وابن سيرين [15] .
أما الفريق الثالث: عطاء فإنه يرى جواز الأخذ منها طولا وعرضا بغير حد مقدر ما لم يفحش الأخذ وينتهي إلى تقصيصها كما كانت تفعله الأعاجم.
ومن هذا الفريق: عطاء فقد نقل عنه قوله: "لا بأس بأن يأخذ من لحيته من طولها وعرضها إذا كبرت"وعلته: كراهة الشهرة وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به واستدل بحديث عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها" قال الترمذي بعد أن أخرج هذا الحديث: "هذا حديث غريب". ثم قال بعد ذلك: "وسمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث…ولا نعرفه إلا من حديث ابن هارون ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون" [16] ..