والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقتنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدة الحروف مع ضم أوله كما غيروا في الأول الصورة والصيغة وحدها وذلك نحو قولهم: (أحببته وحب) أزكمه وزكم وأضأده وضئد، وأملأه الله ومليء.
قال أبو علي [14] : فهذا يدلك على تمكن المفعول عندهم وتقدم حاله في أنفسهم إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل، وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم [15] ، ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو: ضرب، وضرب، وشتم وشتم تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة نحو: أزكم وزكم وأرضه، وأرض.
هذا الموضع هو الذي دعا أبا العباس أحمد بن يحي في كتاب فصيحه أن أفرد له بابا فقال هذا باب (فعل) بضم الفاء نحو قولك عنيت بحاجتك وبقية الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة، ألا تراهم يقولون: "نخى زيد" من النخوة ولا يقال: نخاه كذا، ويقولون امتقع لونه، ولا يقولون امتقعه ويقولون: انقطع الرجل ولا انقطع به هكذا فلهذا جاء بهذا الباب أي ليريك أفعالا خصت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل كما خصمت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول، نحو قام زيد وقعد جعفر وذهب محمد، وأنطلق بشر، ولو كان غرضه أن يريك صورة ما لم يسم فاعله مجملا غير مفصل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو: ضرب وركب، وطلب، وقتل، وأكل، وسمل، وأكرم، وأحسن إليه، واستقصى عليه، وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية له، فاعرف هذا الغرض فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة ... انتهى.
رأي ابن درستويه المتوفى سنة 347هـ[16] :