فأقول: إن هذه المعاني البلاغية التي تخرج إليها أدوات الاستفهام من تشويق وتعجيب وتقرير وإنكار وغير ذلك إنها تخضع للذوق الأدبي الشخصي وليس لها قواعد موضوعة يمكن أن يحتكم إليها، وبسبب من هذا جاءت الآراء مختلفة في معنى هذا الاستفهام وفي غيره، غير أن التشويق بخاصة مع خضوعه للذوق الشخصي يعتمد على شيء من المنطق يقتضي أن يكون استفهام التشويق في جملة تامة مستقلة يجيء بعدها المشوق إليه في جملة أو جمل مستقلة أخرى، كي تتاح للنفس فرصة الانفعال والتشويق إلى ما سيأتي بعد، وذلك كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الآيتان 10، 11 من سورة الصف) . وكما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} (الآيات من 1- 15 من سورة الغاشية) وكما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (الآيات من 27 إلى 37 من سورة الذاريات) .
ففي هذه الآيات جاء الاستفهام التشويقي في جملة تامة مستقلة، ثم جاء المشوق إليه بعد ذلك في جملة أو في جمل أخرى.
والذي اخترته من آراء العلماء في معنى الاستفهام في هذه الآية الكريمة أن يكون للتعجب وللتعجيب، وليس بين التعجب والتعجيب منافاة ولا تعارض، فالتعجب منظور فيه إلى القائل جل جلاله، والتعجيب منظور فيه إلى المخاطب.