ومن الناس من ينكر أن يكون الاستفهام هنا للتعجب ويقول إن الله سبحانه وتعالى لا يعجب من شيء، وهو يظن أن تعجبه سبحانه وتعالى سيكون كتعجب خلقه، ولا أدري من أين جاءه هذا الظن والله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وتعجب الله تعجب يليق بكماله وجلاله، ولا يمكن أن يكون بينه وبين تعجب غيره مشابهة ما أو مماثلة.
على أن تعجب الله سبحانه وتعالى ثابت في القرآن الكريم وثابت في السنة المطهرة:
ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قرأ حمزة والكسائي {عجبتُ} بضم التاء، ورويت هذه القراءة أيضاً عن عبد الله بن مسعود وغيره. وظاهر أن المتعجب هو الله سبحانه وتعالى.
وفي السنة المطهرة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" حديث حسن (14) .
أما الرأي القائل إن الاستفهام في {أَلَمْ تَرَ ... } للتنبيه بالمعنى الذي تقدم عن الزركشي وهو "انظر بفكرك في هذا الأمر وتنبه"فحق فيما أراه وصواب. والتنبيه بهذا المعنى يستدعيه التعجيب ويقتضيه، لأن التعجيب يقوم على أحد أمرين:
إما على الاستحسان والاستعظام والإجلال كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} الآية (45) الفرقان.