الرأي الذي أختاره وأرجحه هو ما تقدم أن قلته وهو أن الاستفهام هنا للتعجب والتعجيب والتنبيه، وأما الذين قالوا إنه للتقرير فلست معهم، فالتقرير يأتي لأحد أمرين (12) .
الأول: حمل المخاطب على الاعتراف بالأمر الذي استقر عنده من ثبوت شيء أو نفيه كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ ... } (الآية 116- المائدة) .
والثاني: تثبيت النسبة التي اشتمل عليها الاستفهام في الذهن، فإن كان المخاطب جاهلا بها فالأمر ظاهر، وإن كان عالما بها فلزيادة التثبيت، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} (الآية 6- الضحى) وكما في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} . (الآية 36- الزمر) .
ولا يبدو لي أن الاستفهام في هذه الآية الكريمة {أَلَمْ تَرَ إِلَى} جاء لأحد هذين الأمرين.
أما عدم ظهور الأمر الأول فلأن الاستفهام في هذه الآية الكريمة {أَلَمْ تَرَ إِلَى} ليس فيه حمل للمخاطب على الاعتراف بشيء، وهذا واضح يدل عليه أن ليس فيها جواب يبين المعترف به.
أما الأمر الثاني: وهو أن يكون للتقرير بمعنى تثبيت النسبة في الذهن فمبني عند من يرون الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم على أن الله تعالى قد أعلمه بهذا من قبل، أو مبني على أن الخطاب لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأرباب الأخبار، وهذا البناء على كل حال افتراض لا دليل عليه وليس من ورائه كبير فائدة.
أما من يرى أن الاستفهام هنا في {أَلَمْ تَرَ إِلَى} للتشويق فلست أرى رأيه، وقد تسألين وتقولين: ولم كان ذلك؟