كان في قلب عبد الله قرح، فقد مر ببلادهم، ورأى ما عليه القوم من تبديل وتغيير لمعالم الدين، واطلع على أحوالهم وألمه ما سمع، ولم يستطع في ذلك الوقت أن يفعل شيئا سوى مناقشة لم تفد ولم تنفع فهؤلاء لا يجدي القول معهم.
أما وقد اصطبح عبد الله في قوة فأكبر خدمة يؤديها للإسلام هو استئصال هذه الفئة الخارجة. ذهب إليهم وهو أكثر حماسا وأشد قوة.
كان الأمير على برغواطة في هذا الوقت أبو حفص بن أبي غفير محمد بن معاذ بن اليسع بن صالح فسار إليهم عبد الله وقاعده أبو بكر في جموع المرابطين ودارت معارك ضارية بعين الفريقين اشترك فيها عبد الله وكثيرا ما كان داعية الإسلام يشترك في المعارك ولا يرضى بأن يكون المعلم والمفقه للدين وحده، فكان ينضوي تحت لواء القيادة لينال شرف الجهاد في سبيل الله، ولا ندري لماذا كان ينسى نفسه وهو الذي ضرب الأمير والقائد يحيى بن عمر عشرين سوطا لأنه اشترك في القتال على حين كان يجب عليه أن يقف عن كثب يحرض الناس ويرسم لهم الخطة الكفيلة بتحقيق النصر.
ولكنها الغيرة الشديدة على المسلمين، فلم يرض عبد الله أن يقف مكتوف اليدين والعدو يعمل السيف في صفوف المرابطين متأسيا بما عرف عن الرعيل الأول من المسلمين، لقد نزل إلى ساحة القتال يحرض الناس ويبشرهم بالجنة والاستشهاد لتكون كلمة الله هي العليا.
كان يعمل سيفه في رقاب تلك الطائفة الضالة الباغية حتى أصيب داعية الإسلام ومحيى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجروح بالغة قاتلة ولم تمنعه الآلام ولا قرب خروج الروح الطاهرة أن يعجل باجتماع معِ أشياخ المرابطين، ويحثهم على الثبات في القتال، ويحذرهم من عواقب التفرقة والتحاسد في طلب الرياسة قائلا رحمه الله: