فالله سبحانه وتعالى يذكر عباده ما أنعم به عليهم من إرسال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ليتلو عليهم آيات الله المختلفة وبمدلولاتها ومظاهرها المتباينة "ليطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالعقول الغراء فانتقلوا ببركة رسالته ويمن سفارته إلى حال الأولياء وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علما وأبرهم قلوبا وأقلهم تكلفا وأصدقهم لهجة". وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم} ولمن يعرف قدر هذه النعمة ويقدرها يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قال ابن عباس: "يعني بنعمة الله محمدا صلى الله عليه وسلم) [22] ولأن الله سبحانه ذكر هذه النعمة نعمة إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم طلب الله مقابلة تلك النعمة بما يجب له من شكر وذكر فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [23] . وحين نتدبر اللفظ يزكيهم نجد أن المقصود بالتزكية انتزاع ما هو غير مرغوب فيه، وتعزيز ما هو مرغوب به فهي إذن تعديل للسلوك بلغة التربية الحديثة.

والقرآن يقدم التزكية على التعليم كما هو واضح من ترتيب السياق ويجعلها مقدمة له تسهل التعليم وتعززه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} وجاء أيضا: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015