إن الإسلام قد كلف الإنسان بتكاليف وواجبات تتناسب مع طاقته وتميزه عن الحيوان وغير الحيوان ممن عجزت طاقاتهم عن القيام بواجب تلك التكاليف وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [17] .
والإنسان بتحمله عبء التكاليف والقيام بها قد ميز نفسه عن الحيوان فهذه التكاليف والواجبات ما هي إلا تمييز لإنسانية الإنسان وإعزاز لمكانته وتأكيد لتكريم الله له عن سائر المخلوقات والذي ميز الإنسان وجعله له هذه الخاصية هو تميزه من الناحية العقلية والروحية والأخلاقية فإذا تخلى الإنسان عن حمل هذه التكاليف غلب صفات الحيوان في شخصه وأصبح كما وصفه القرآن من الأنعام أو الدواب {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [18] . بل إنهم قد يكونون في منزلة أقل من الأنعام {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [19] وأهم مظاهر هذا الرقي هو التحلي بحسن الخلق ولين الجانب وتزكية النفس وإصلاحها وتطهيرها باعتبارها أهم الحاجات التي اقتضت إرسال الله الرسل للناس إذ يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [20] ويقول: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [21] .