الإسلام الذي لم يعتد بعصبيات ولا ألوان ولا جنسيات ولا أوطان، ولم يجعل منها أساساً لوزن عمل صاحبها، وقربة من الله جل وعلا، بل أذاب كل تلك الإعتبارات جميعاً وصهرها في بوتقة الإسلام لتكون ركيزة التفصيل عند الله رب العالمين هي التقوى – فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات) . ومن ثم رأينا في الصحابة الكرام- أفضل قرون هذه الأمة- بلالاً الحبشي، وصهيباً الرومي، وسلمان الفارسي، أخاً للمؤمن القرشي، والهاشمي، وغيره من سادات العرب الذين آمنوا بالله ورسوله.
الإسلام الذي جمع أفراده تحت أمة واحدة، وصفها ربنا تعالى بقوله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء) ، وحذرهم من الخلاف في الدين والتفرق في فهمه شيعاً متناحرة، فقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران) .. وقال {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام) .. ولو أنه وجد اختلاف في الفهم- نتيجة لاختلاف العقول والأنظار- فإن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى تشتيت الأمة، وبلبلة أفكارها، ثم إلى التطاحن والتقاتل، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه سلم: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " (البخاري) .