وأنا هنا لا أحب أن أحاسب المؤلف على أسلوبه السوقي في التعبير عن مفهومه للبيت، ولكنى أكتفي بالإشارة إلى بعده الشاسع عن غرض الشاعر.. ولو هو عاد إلى ديوان النابغة وتعقيبات شراحه من اللغويين لعلم أنه إنما يصف خوفه الشديد من أبي قابوس الذي أنذره بالقتل، ويعتذر عن هذا الخوف بتشبيه ضمني يجعل أبا قابوس بمنزلة الأسد الذي يرسل زئيره؛ فلا يجد سامعه سبيلا إلى الاطمئنان على نفسه.
ومن هذا الضرب عمله في تدريب آخر حول معنى البيت التالي:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب
وتقليننى.. لكن إياك لا أقلي
فيقول في شرحه: "لقد نظرت إلي نظرة بطرف عينها اننى مذنب.. وإنني لأعجب كيف تتمكن من هجري، مع أني لا استطيع اصطبارا على فراقها"..
ويلاحظ كل ذي صلة بالبيان العربي أن الشارح لم يزد على أنه شوه مراد الشاعر، عن الركاكة التي لا تتوقع من مبتدئ فضلا عن مؤلف يقيم من نفسه ملعما حتى للجامعيين..
ووارحمتاه للعربية!..
5- ويذكرني هذا بموقفين مشابهين عرضا لي أثناء تدقيق امتحان الشهادات في بلد عرني مجاور قبل بضع عشرة سنة؛ ذلك أني اختلفت مع ممثل لجنة الأدب حول قول شوقي - من النص المقرر على الطلاب:
منت بالله واستثنيت جنته
دمشق روح وجنات وريحان
فقلت: علينا أن نتفق أولا على رأي الشاعر بشأن الجنة كي نعرف أي الإجابات تقبل وأيها يرفض.
فقال سيادة الممثل: الأمر أوضح من أن يختلف عليه، إن شوقيا يستثنى الجنة من إيمانه، ويعتبر دمشق هي الجنة..
قلت: بهذا تخرج شوقيا من حظيرة الإسلام على الأقل؛ إذ لا يصح إيمان بالله مع إنكار ما أخبر به.. وعرضنا الأمر على اللجنة؛ فكلهم وافق رأيه دون استثناء، حتى أخذت أذكرهم بما أورده الشاعر في القصيدة نفسها من دلائل إيمانه بالجنة ومحتوياتها.. فإذا هم ينفضون من حوله، إلا صديقا لي كان شريكي في تأليف أحد كتب الأدب!..