فهو هنا يتطلع مستشرقا إلى اليوم الذي يرى فيه شمل الكفار مبددا، وقد انتصر عليهم المسلمون بعد أن ألحموهم سيوف الحق، وجرعوهم كئوس الموت، ومضى أبو يعقوب فغزاهم في عقر دارهم ومكان عبادتهم.... في شنث يافث وهي كنيسة عظيمة في ثغور ماردة لها عند النصارى قداسة دينية عظيمة لأسباب ذكرها الحميري في كتابه: صفحة جزيرة الأندلس صفحة 115، وهناك ألقى عليهم بثقله، ورماهم بجنده، وأسر عميدهم فغادرهم ما بين قتيل وجريح وساجد على وجه الأرض. وهذا تعبير رائع يعج بالحركة، ويرسم صورة حية لما يتمنى أن تنتهي إليه هزيمة الكفار، فهو أشبه ما يكون بمهندس بارع يرسم خريطة منزل على صفحة الورق ثم يطلب من العمال تنفيذها على صفحة الأرض.

وينعى شعر المقاومة على الناس تركهم أوطانهم ونزوحهم إلى غيرها هروباً من المدافعة والتماسا للنجاة، فيقول أبو المطرف بن عميرة المتوفى سنة 658هـ:

بكل طريق قد نفرنا وننفر

كفى حزناً أنا كأهل محصب

بنار اغتراب في حشاه تسعر

وإن كلينا من مشوق وشائق

وقول ألا ليت شعري تحير

ألا ليت شعري والأماني ضلة

عهدنا وهل حصباؤه وهي جوهر

هل النهر عقد للجزيرة مثلما

فيزور عنه موجه المتكسر

وهل للصبا ذيل عليه يجره

بما راق منها أو بما راق تسحر

وتلك المغاني هل عليها طلاوة

نروح إليها تارة ونبكر

ملاعب أفراس الصبابة والصبا

بها العيش مطلول الخميلة اخضر

وقبل ذاك النهر كانت معاهد

في هذه الأبيات نجد نهجا جديدا في المقاومة.. نهجا يعتمد على الإقناع المنطقي والروح الإنساني، ويعدل عن اللهجة الحادة التي نجدها في قصيدة المرقشي السابقة والتي دعا فيها إلى حصد الأعداء وسحقهم واتخاذ بساط من أشلائهم إلى غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015